بعضهم حين تستشيره لتدخلَ عالم الكتب والقراءة وترفع الجهل عن نفسك، مباشرةً وبلا مقدمات يرشدك إلى موسوعة أو إلى كتبٍ علميةٍ! أو مثلاً يدلّك على كتبٍ تحليليّة فيها إسهاب وتطويل لا يقرؤها إلا المتخصصون، أو يرشدك إلى كتبٍ لا تحتاج إليها أنت، من دون أن يعرف اهتماماتك أو يسألك عنها!
لذلك أقول دائماً إن كثيراً من طلبة العلم والمثقفين، مهما بلغوا من الثقافة، ليسوا جميعاً قادرين على إرشادك إلى الكتاب الذي يناسبك!
لا تتوقع أن المثقف رسول القدرة الإلهية الذي سينقذك من وحل الجهل ويدلك على الكتب التي تحتاج إليها!
المشورة فن مستقل بذاته، وهو غير الثقافة!
لذلك وددت أن أبين عدداً من النقاط أهدي بها التائه وأرشد الحيران، أو في أهون الأحوال أثبّت بها القارئ المبتدئ على القراءة:
- لا ترهق نفسك بوضع أهداف كثيرة، كما يقولون في مواقع التواصل: «ضع لك وقتاً تحدد فيه متى تنهي الكتاب؛ في خمسة أيام أو عشرة، أو ضع لك وقتاً إذا قعدت إذا قمت...» أو غيرها من التقييدات التي لا تأتي إلا بالملل والضجر والنفور!
لذلك كن حُراً ولا تقيد نفسك إلا بأساسيات سأذكرها لك لاحقاً، وهي مهمة.
- كونك مبتدئاً في عالم القراءة والمعرفة، لا بد أن تحفز نفسك بـ«الإنجاز السريع» ... لأن هذا الإنجاز سيلهمُكَ لكي تمشِي قدماً في سبيل تحقق مزيد من الإنجازات، ألا وهو أن تقرأ الكتب القصيرة، لا أعني الكتيبات التي لا تتجاوز الخمس صفحات أو العشر (لا)، ما أعنيه أن تقرأ كتاباً كاملاً لا يتجاوز سبعين صفحةً، أو على الأقل لا يتجاوز المئة، وصدقني عندما تنهيه من الجلدة إلى الجلدة سوف تجد في نفسك لذة تعدلها كل اللّذّات، وحافزاً قوياً، ومباشرةً ستتطلع إلى تحقيق مزيد من الإنجازات في هذا العالم.
- اختر المكان المناسب للقراءة، مكاناً لا بد أن يكون هادئاً، وأنت كذلك لا ينبغي لك أن تقرأ وأنت مشوش البال مشتت الفكر (لا)، بل يجب أن تكون مطمئن القلب، منشرح الصدر، لكي تفهم ما تقرأه.
- خذ فنجاناً من القهوة، وحاول قدر الإمكان أن تخفّف السُّكر فيها.
- ثق تماماً بأن العبرةَ ليست بكثرة الكتب وتنوع أشكالها، إذ قد تقرأ كتباً قليلة ومنتقاة بعناية يكون لها الأثر الكبير في لسانك وقلمك.
- اقرأ في النوع الذي ترتاح إليه نفسك، ولا تجبر نفسك وتكرهها – كونها بداية - على علومٍ تنفر منها... بل دعها تقرأ ما ترتاح إليه وتحبه ودع ما تكرهه وتنفر منه... على سبيل المثال: إذا كانت تحبّ الشعر وتطرب له فاقرأ من الشعر حتى تشبع رغبتها، وإذا كنت تحب المذكرات الشخصية ولا ترى نفسك تتعب عندما تقرأ قصة فلان وعِلان فاستمر في القراءة... كذلك القصص وكتب التنمية البشرية وغيرها... من المهم ألا ترغمها، لأن الإرغام لا يأتي على المبتدئ بخيرٍ أبداً.
- لا ترهق نفسك، يكفيك من الوقت ١٠ دقائق فقط، في اليوم بأكمله، مع التركيز القوي على النص المقروء وعدم الانشغال بتوافه الأمور؛ كأن تنظر إلى أحد برامج التواصل أو تُشرد مفكّراً... لا تفعل شيئاً من هذه مهما كان شغلك ومسؤوليتك! بل اجعل هذه الدقائق العشر روتينية حتى وإن لم تستفد منها شيئاً، المهم أن تجعلها يومية وجزءاً من حياتك... وإذا آنست من نفسك قوة ونشاطاً وعزيمة للقراءة فأكمل ولا تجعل الدقائق العشر قيداً، بل أكمل حتى ترى أنك تريد أن تذهب إلى أشغالك أو تنشغل بأمرٍ من أمور حياتك.
- في بدايتك ركز على الكتب التي تلهب الحماسة في صدرك وتشعلها في داخلك، مثل كتب «سير العلماء»، أو مثل تلك الكتب التي تتكلّم عن «علوِّ الهمة»، وغيرها... ففيها البركة والخير وشحذ العزيمة نحو الإنجازات الكثيرة المتتابعة.
- اعلم يا صديقي أنك بقدر أثر إفادتك من الكتاب يكون تعلقك وشغفك به، لما تشعر به من أن القراءة جعلتك تتكلم بطلاقة، وتبدي وجهة نظرك، وعقلك مليء بالأفكار، وجعلتك تستنتج وتنتقد، فإذا وصلت إلى مرحلة بدأت فيها تكتب وتشارك ولك آراء فإنك ستتعلّق بها كثيراً ولن تتركها أبداً، لأنك لمستَ أثرها وبدأت تجني الفائدة منها... لكن هذا لن يتحققَ لك إلا بالثبات على القراءة كل يوم.
- إذا ذهبت إلى المكتبة فلا تدع أيّ إنسان لا تعرفه يرشدك إلى كتاب قرأه، مهما كان مثقفاً... لأنه لا يعرفك ولا يعرف اهتماماتك، وقد يرشدك إلى كتاب لا ترتاح إليه نفسك، ثمّ عندئذٍ يكون النفور ضرب أطنابه في قلبك من هذا العلم الذي قد يكون لك فيه صولات وجولات، بل قد يتفضّل الله عليك وتأتي بأشياء لم يستطعها الأوائل.
- إذا كنت ستستشير أحداً فاستشر من تثق بأنه يفهمك ويفهم توجهك ويعرف الكتب التي تحتاج إليها في هذه المرحلة... وإلا فلا تثق بأيّ أحد، لأن المشورة في هذا العالم فنّ وحده، ولا تظن أن أي مثقف عاشَ مع الكتب أعواماً قد يفلح ويرشدك إلى الكتاب المناسب، (لا)، لا تظن ذلك... نعم هو بارعٌ في تخصص ومبدع في كتاباته ومبهر في شخصيته، لكن معظمهم لا يعرف كيف ينصح المبتدئ... لذلك شمّر عن ساعدك يا صديقي وحدد هدفك: ماذا تريد أن تقرأ؟ ثم انطلق مباشرةً إلى المكتبة وافحص الكتب، والكتاب الذي تراه واضح المعنى، رشيق العبارة، وتستسهله ولا ترى فيه صعوبة، ومواضيعه جذابه وتناسبك، وتلمس في نفسك أنك تحتاج إليه فخذه، أما الكتاب الصعب المعقد فاتركه إلى أن يأتي وقته.
- المللُ شيء طبيعي لا تظن أنك وحدك من يعانيه، هو ليس محصوراً في القراءة وحدها، بل تشعر به أحياناً عندما تتحدث أو تتابع فيلماً، وهكذا، لذلك لا تقنع ذاتك بأنك «تملّ عندما تقرأ ولا تشعر بهذا إلا عند القراءة»، وبما أن ذلك طبيعي فسوف تتغلب عليه مع الثبات على القراءة اليومية، بإذن الله.
- ذكّر نفسك بأن الكسلَ جريمةٌ لا تُغتفر، وأنه لا يليق بإنسانٍ يريد أن ينعم بالمعرفة والصعود والإنجاز!
- لا تُفكّر في الإنجاز السريع، سواء في القراءة أم في غيرها من شؤونِ الحياة وأطوارها، وثق بأن المعرفة ستأتيك، وأنك سوف تجني ثمارها وتحصد زرعها ما لم تستعجل! وتذكّر أن العجلة من أسباب الفشل الذريع، فَـذَرهُ عنك يا صديقي.
-لا تستحقر نفسك وتثبطها عن القراءة، بل اعتزّ بها وقل في قرارة نفسك إنك سَتُكَوّن مكتبة تنهل من معينها وتُعطي من خيراتها الشيء الكثير في مواقع التواصل... قد تصبح مدوّناً، أو «يوتيوبيّاً» أو مقدّمَ برامجَ، أو خطيباً مفوّهاً تدل الناس على الخير، بفضل هذه الكتب التي فتح لك الله بها أُفُقاً!
- تابع المراجعات عن الكتب، انظر «هل هذا الكتاب يناسبني أو يصلح لي؟ هل أنا أحب مثل هذا النوع أو يجذبني هذا الفن؟» وهكذا دواليك.
-لا تحرص على الكتب الصعبة في بداية أمرك لكي تبزّ أقرانك فيها... فوالله إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً! فأرح نفسك.
- قبل الذهاب إلى المكتبة حدد لك هدفاً واحداً، ولا ترهق نفسك بتحديد الأهداف وكثرة الشروط، فإن ذلك مدعاة إلى الملل والنفور... كن بسيطاً وعلى سجيتك ولا تتكلف!
- كذلك لا تحدّد وقتاً لـ«أنهي كتاباً» كأن تضع وقتاً لتنهيه في خمسة أيام أو عشرة، فهذا من العبث والتقييد ولا لزوم له كونها بداية.
- لا تنبهِر بأغلفة الكتب، وركّز على محتوى الكتاب تركيزاً كبيراً.
- الوقت هو عمرك، فلا يتفلّت الزمن وتنقضي الأعوام من دون أن تحقق أيّ إنجاز... ودائما استشعر أن الوقت يذهب وأن العمر لن يعود!
- الكتب أنواع وأصناف، وعلى أقسامٍ، فلا تقفز إلى الكتب التي لم تتأهل بعدُ لقراءتها.
- لا تتحمّس وتفتح كتاباً آخر مع كتابك الأول، كي لا تكثّر على نفسك وتملّ من المشاريع التي لم تكتمل بعدُ!
- دَوِّنِ الفوائد في آخر صفحات الكتاب البيضاء، قدر الإمكان، أو في أهون الأحوال استعمل لاصق الأوراق «sticky notes» فهو أسرع لك وأسهل، كي لا تفوتك الفائدة وتبقى معك أبد الدهر، بإذن الله.
- اجعل مواقع التواصل تساعدك في تحقيق هدفك، بحيث تشارك متابعيك الاقتباسات، أو مثلاً تشارك في ملتقيات القراءة المنعقدة في «تويتر» بين الفينة والأخرى، وهي كثيرة، ستجدها، لكن لا أنصح بالإغراق فيها وتتبعها بكثرة، بل يكفيك منها «Goodreads»، فهو علمٌ في رأسهِ نارُ.
- لاتَسْتَشِرْ كثيراً، بل تحرّك وانطلِق وثابر، وتذكر أن كثيراً من المبدعين دُفِنت مواهبهم المتعددة وقدراتهم القوية في «مقابر الاستشارة»!
كتبه: فهد بن محمّد التّميمي
نعام، حوطة بني تميم
٦ - ١٢ - ١٤٤٠هـ
٧ - ٨ - ٢٠١٩م