ربما يكون المثقّف أكثر عرضةً للانتقاد من غيره خاصةً أنه من المفترض أن يكون العارف العالم بكل شيء وعلى خبرة ودرايةٍ تامة بمستجدات الحياة كما يعتقد البعض،لذلك فهو أوّل من يتعرّض للسخرية اللاذعة عندما يجهل مسألةً ما أو أحد المواضيع خارج اختصاصاته !

ولأن المثقّف يشبه عابر السبيل الذي يقطع الصحراء زاده الفكر والتأمّل،فهو لا يعيش تحت مظلةٍ تؤيه ،ولا يجد العون والسند الكافي طالما أنه ليس من أصحاب الصيت ولا من أثرياء الأدب كما نراهم في عصرنا الحاضر،إذن يخوض معارك الحياة وحيداً و غريباً لذلك يبدو أنه الحلقة الاضعف حالياً ،فمع انصراف الكثيرين عن الأوساط الأدبية واكتفاء البعض بمتابعة الساحة عن بعد،والإغراق الكبير في عدد الكتب ودخول سماسرة النشر درجةً فظيعة من الاستغلال السافر،لم يتبقّى لهذا المثقف سوى أن يكافح باستماتة ليثبت أقدامه على أرضٍ رخوة.

أصبح المحاضرون يتبارون بمواهبهم ويعتبرون ما يقدّمونه من دورات ومحاضرات أهم بكثير من قراءة الكتب !

فهل كان الكتاب عدواً للتطور،أم أنها نظرةٌ قاسية تحط من شأن المثقف أكثر فأكثر،أليس الذي يمتلك قدرات علمية عالية هو أكثر شخص يشعر بمعاناة زملائه المبدعين من الفروع الأخرى،أم أن المثقف أسهل شخص تصوّب له سهام الهمز واللمز !

لذلك اختار العديد منهم العزلة المريحة،وانشغلوا بإبداعاتهم وتركوا الساحة لمن يستطيع أن يتلوّن وأن يرسم بفرشاة حب الظهور صورةً لكل مناسبة،فالمثقف الحقيقي لا يستطيع ارتداء أقنعة الرياء طويلاً،لذلك اختار الصمت الحكيم،وعكف على رسم طريقه بعيداً عن المحبطين والشامتين والمتخاذلين الذين لا هم لهم سوى القدح والردح بمناسبةٍ ودون مناسبة