لاشك أن وضع مؤشرات لأداء للمنظمة مهم ويجدد حيويتها إذا ما ارتبط بأهدافها الاستراتيجية والمرحلية ووضعها القائم وماتتطلع للوصول إليه من مكانة أو ربحية مستقبلًا وخلاف ذلك. وبقدر تلك الأهمية والفوائد العظيمة التي تعول عليها إلا أن هناك أمور مهمة يجب الانتباه لها وهي:
١- أن تكون المؤشرات ملائمة لتصميم المنظمة وطبيعة عملها.
٢- أن تتم مراجعة المؤشرات عندما يطرأ تغيير على المنظمة.
٣- الانتباه من عدم تحول المؤشرات من وسائل لتحسين الأداء إلى أهداف بحد ذاتها فيتم الانشغال بتحقيق الأرقام والغفلة عن الهدف الأكبر من وضعها.
٤- الحذر من العواقب غير المتوقعة مثل التلاعب بالأرقام أو تقليص التعاون بين الأقسام أو قصر تقديم الخدمة على فئات محدودة لأن ذلك يساعد على تحقيق أرقام المؤشرات فقط.
من الأمثلة على الانحياز في تقديم الخدمات مايحدث في بعض برامج دعم ريادة الأعمال التي تقدمها بعض الشركات الكبرى المعتادة على وضع مؤشرات لأداء كل شئ. بعض هذه المؤشرات يقيس عدد رواد الأعمال الذين قامت الشركة بدعمهم وعدد الوظائف التي يحتمل أن تنتج عن مشاريعهم. فتبدأ المنظمة بدعم رواد الأعمال الجاهزين وتتجاهل من هم بحاجة للدعم الحقيقي لأنهم أبطأ في الحراك وبالتالي لن يحققوا أرقام مرتفعة في مؤشرات الأداء السنوية. أما صاحب المشروع الذي لن يولد وظائف كثيرة فسيخسر التنافس رغم أنه سيولد طلبات لأصحاب أعمال آخرين تعزز من قدرتهم على التوظيف. تلك التوجهات في الغالب تدعم الشركات الناشئة شبه الناضجة وتتخلى عن غيرها من الشركات الناشئة رغم إدراك الداعمين أحيانًا لجودة ماتقدمه تلك الشركات الصغيرة واحتمالية نجاحها المستقبلي. ومع تحقيق المؤشرات في أول عام يبدأ إدمان تحقيق الأرقام العالية والاستمرار في رفع سقفها عامًا بعد عام.
حتى بعض الجامعات أصبحت تعمل بنفس الأسلوب سعيًا خلف التقدم السريع في مراتب الجامعات العالمية والذي من المفترض أن يحفز الجامعات للتنافس الشريف لتحقيق الإسهامات العلمية والتعليمية. فلجأت إلى التحايل لتحقيق بعض المؤشرات على سبيل المثال بالإنفاق الكبير لاستقطاب عدد كبير من الطلاب لتقوم بقبول جزء محدود منهم مما يخفض نسب القبول ويظهر شدة الإقبال على الجامعة لجودة تعليمها وسمعتها الراقية مما يساعدها على الارتقاء في ترتيب الجامعات الراقية وقس على ذلك مايحدث في مجال عدد الأبحاث المنشورة في المجلات العالمية ذات الصيت المرتفع.
العجيب في الأمر أنه وبمجرد وضع تلك المؤشرات، سواءً بواسطة المنظمة ذاتها أو بواسطة جهات خارجية، يبدأ العمل بجدية لتحقيقها، وتصبح المنظمة أسيرة لها فتتوقف عن مراجعتها ومساءلة جدواها وملاءمتها لوضعها وتأثيرها الكارثي المحتمل على جودة وأخلاقيات أداء أفرادها رغم مرور عدة سنوات من محاولات اللهاث لتحقيقها بشتى الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة.
