(حينما يداهمك المرض العضال على حين غرة بوجهه المخيف!، وتحيط بك من كل جانب ألطاف الطيف!))
***************
بعث صديق يسألني عن أحوال صحتي فكان جوابي كالتالي: بالنسبة لأخباري الصحية فإنني بالأمس (الخميس) مكثتُ من الثامنة صباحًا حتى السادسة مساءً في المستشفى العمومي من أجل اخذ عينة ثانية من كبدي المريض، وأخبروني بأنهم هذه المرة لن يرسلوها لمعمل السرطان ولكن لمعمل البكتيريا حتى يتأكدوا من سبب مشكلة الكبد، وأرجو من الله أن تتم الأمور بخير وأن ييسر برحمته العلاج والشفاء التام ولكن صدقني يا صديقي فإن همي لم يعد في الشفاء إنما في ما بعد ذلك!، فالسؤال الذي يقلقني هو: (اذا شفاني اللهُ ومَنَّ على بتفريج كربتي واستعادة صحتي كيف أفعل فيما بقي من عمري!؟ أو بمعنى أدق ماذا تراني سأفعل في هذا الوقت الاضافي الممنوح لي!؟؟؟) فوالله منذ أخبرني الطبيب الاول بأنني مصابٌ بسرطان منتشر في مرحلة متقدمة وان حياتي لن تطول لأكثر من اربع اشهر (*)، فإن جرس الخطر رن في كل أرجاء نفسي وفقدتُ فجأةً كل الأمان بالدنيا دفعةً واحدةً ولم أعد صاحبك الأول ذاك الذي عرفت!، وعشت ما يزيد عن عشر ليال حُسومًا كأنني (يونس) في ظلمات بطن الحوت!!.. كأن المولى يومها عزَّ وجلَّ سلخني من الدنيا سلخًا وأنا بعد حيّ أرزق!!، تصوّر أن ترى شاةً قد تم سلخها حيةً دون أن تموت فتبقى حيةً تمشي وتأكل وتنام وتصحو مع بقية القطيع بقية عمرها بدون جلد!!، هذا والله حالي مع الدنيا اليوم!، فلا عدتُ من أهل الدنيا ولا من سكان الآخرة بعد!، أصبحت بين بين!، فأنا اليوم أقف هنا بينهما في انتظار قضاء صاحب الأمر في امري، فملف قضيتي معلق على باب عرشه الكريم ليقضي فيه بأمر كان مفعولا!.. هكذا بات حالي مع هذه التجربة، ولكن الحق الحق أجدني اليوم، وبعد مرور هذه الأشهر على مرضي، لم أعد أنظر لمرضي هذا بتلك النظرة السوداوية المعادية والمتشائمة!، فقد تبدلت نظرتي لهذا المرض الذي داهمني على حين غرة والذي نظرت اليه في أول الأمر - ومع الصدمة الأولى - على أنه عدو مبين، قبيح المنظر، داهمني في عقر داري ساعة غفلة فتمكن من اختراق كل حصوني وهو يريد الفتك بي وحرماني من التلذذ بطيبات الحياة ومن صحبة ولدي الوحيد!، فوالله كنتُ أحس به يومها كما لو أنه ثعبان سام قاتل احتل احشائي فجأة وغرس نابيه في كبدي وأخذ يضخ سمه في دمي مهددًا بالويل والثبور وعظائم الأمور قبل الهلاك الأخير!، أما اليوم فالموقف اختلف تمامًا حيث بتُ أنظر اليه على أنه من (الطاف الله) بي!!، فهو (داعي خير) ارسله لي ربي كي استفيق من سكرتي من خمرة الدنيا وأخذت انتبه لحقيقة وجودي وأنا على مشارف الستين من عمري ثم لأيمم بوجهي وقلبي نحو الدار الآخرة، راغباً وراهباً، بعد فترة من الغفلات الطويلة قضيت معظمها منشغلًا حتى الثمالة بالسياسة عالقًا ببيت العنكبوت!، فمرض يُنبهك من غفلتك كضوء وهّاج ساطع أو كصرخةٍ مُرعبة في البرية تحطم زجاج سكون الليل، فيقربك الى الله ويجعلك تلهج بذكره خوفاً وطمعاً لا شك أنه مرض حميد وهو صديق مُعين لك وقطعًا ليس بعدو لك حتى لو بدا لنفسك في مبدأ الامر وبدا لغيرك أنه شر مستطير!، صدقني!، إنه خير يرتدي قناع مخيف مكروه!!.. (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم!) بل يمكنني بأن أصفه الآن بأنه (مرسول الحب!!)، فحبيبك من نبَّهك ونهاك، وعدوك هو من خدَّرك واغراك وتركك ترقص مخموراً بعشق الدنيا حتى يأتيك الموت على حين غرة وأنت غير مستعد ليوم الرحيل ولمقابلة ربك الجليل!، فتظل تصرخ في خوف وأسف وأنت تتوسل ببكاءٍ شديد: ((ربي ارجعونِ لعليَّ أعمل صالحًا فيما تركت!.. ربي ارجعونِ لعليَّ أعمل صالحًا فيما تركت!..ربي ارجعونِ لعليَّ أعمل صالحًا فيما تركت!)).... لا والله ليس هذا المرض بعدو لنفسي بل هو جرس الإنذار المخيف الذي يُوقظُ النائم ويُنبه الغافل والسكران!، هذا المرض المخيف هو داعي الله الحنّان المنّان اللطيف!، إنما العدو الحقيقي هي هذه الدنيا الخدَّاعة المُسكرة للعقول التي تلهيك بالأوهام والصخب حتى يأتيك الموت فجأة على حين غرة وانت لاهٍ وغير مستعدٍ له ولِما بعده من أهوال يشيب لها شعر الولدان ولات حين مندم، ولات حين فرصة أخرى!.. ((فماذا لو شفاني الله واعطاني فرصة أخرى هي الفرصة الأخيرة قبل موتي؟؟؟ تراني ماذا فاعل بها وفيها؟؟؟))... هكذا باتت المسألة في نظري اليوم.. والحمد لله رب العالمين.
♡♡♡♡♡
أخوكم المحب: سليم نصر الرقعي
(*) بعد اجراء صورة الرنين المغناطيسي ونظرًا لوجود تاريخ عائلي فيما يتعلق بمرض السرطان حيث توفي أخي الشقيق منذ أشهر نتيجة سرطان الكبد فإن الطبيب نتيجة هذه المعطيات حكم بأنني مصاب بمرض السرطان وأن الصورة تظهر أن المرض منتشر وأن أيامي باتت معدودة!.... عشت أيامًا وليال ٍفي ظلمات (بطن الحوت) ثم بعد أخذ عينة من الكبد إذا بالطبيب يفاجئني بأن مرضي ليس سرطانيًا وإنما هو على الأرجح (السل) في الكبد وحولني لقسم الامراض المعدية ومنذ شهرين وهم يجرون فحوصات لي ولم يتأكد لهم بعد إنه (السل) لهذا قرروا أخذ عينة أخرى من الكبد ليعيدوا فحصها!.