فسألته: وإذا كان المريض مصابا بواحد من هذه الأمراض ولا يعرف أنه مصاب؟ وكان جوابه مرتبكاً وغير منطقي.
وقد تكررت هذه المشاهدة في العديد من عيادات القطاع الخاص ،ففي عيادة أخرى كان الطبيب يكتفي بغمس الأدوات في محلول معقم ، ويضع في عيادته جهاز تعقيم لا يستعمله ربما توفيرا للكهرباء ولكي يتمكن من معالجة أكبر عدد ممكن من المرضى، لأن نظام التعقيم السليم يتطلب أن يتوفر لدى الطبيب مجموعة من أطقم العِدد التي يستعمل واحدا منها، ويضع الباقي في جهاز التعقيم الذي يعرضها لحرارة عالية للتأكد من قتل البكتيريا والفيروسات.
وقبل حوالي ثلاثة شهور التقيت بأحد المتعايشين مع فيروس الإيدز وتحدث لي طويلا عن معاناته الاجتماعية والصحية، ذكر لي أنه عمل في واحدة من مؤسسات القطاع الخاص لكي يساعد والدته الأرملة وإخوانه وأخواته على مصاريف الحياة، لكن واحدا من زملائه في العمل سرق من حقيبته حبة دواء وذهب بها إلى الصيدلة وسأله عنها، فقال الصيدلي أن هذا الدواء يستعمل لمرضى الإيدز، فما كان من زميله هذا إلا أن أبلغ صاحب العمل فطرده من العمل الذي كان يساعده على الشعور بإنسانيته.
لاحظت أن أسنانه قد تآكلت ولم يبق منها سوى جزء مهشم متصل بجذر يغوص في لثته، قال لي أن أكثر ما يعاني منه هو ألم الأسنان، وقال لي أنه زار أكثر من عيادة أسنان وعندما كان يقول لهم أنه مصاب بفيروس الإيدز كانوا يطردونه من العيادة دون رحمة.
السؤال الذي أوجهه إلى الأطباء وبخاصة أطباء الأسنان الذين يوفرون تكاليف التعقيم: هل تتخذون احتياطاتكم الوقائية فقط عندما يعترف المريض أنه مصاب بمرض ينتقل عن طريق الدم، وإلى أين يذهب هؤلاء المصابون بالأمراض المنقولة بالدم، هل يبحثون عن أطباء على سطح القمر لكي يتلقوا العلاج؟ إننا نعرف تمام المعرفة أن واجبكم هو اتخاذ الاحتياطات الوقائية لمكافحة العدوى كاملة مع كافة المرضى بغض النظر عن أي معلومات يدلون بها بشكل طوعي، لأن المسألة تتعلق بجوانب متعددة أولها حقوقي يتعلق بحق الإنسان في تلقي العلاج وليس آخرها تنموي يتعلق بمستقبل المجتمع وانتماء الإنسان إلى مستقبل أمته ومستقبل الأجيال القادمة.
والسؤال الثاني: إذا كان المتعايش مع الإيدز أو المريض بالتهاب الكبد بي أو سي يصر على أن يبلغ الطبيب بأنه مصاب ويرفض بشدة أن ينقل العدوى إلى غيره، هل يكون جزاؤه منا أن نحرمه من المعالجة على الرغم من أن هنالك معايير دولية متعارف عليها لمكافحة العدوى، وعلى الرغم أيضا من القسم الذي يتلوه كل طبيب على أن يخلص في خدمة المرضى.
إنني أناشد كل الجهات المعنية : وزارة الصحة ونقابة الأطباء ونقابة أطباء الأسنان وناشطي حقوق الإنسان أن يعملوا على معالجة هذه القضايا من جانبين : منع العدوى لغير المصابين ومعالجة المصابين، لكي نريح ضمائرنا ونحفظ إنسانية الإنسان ومستقبل الأجيال.