مضت ثمانية أشهر من عمر الحكومة العراقية، لم تخطو فيها خطوات ملموسة نحو رفع معاناة الشعب العراقي، وتقديم الخدمات ذات الصلة الوثيقة بواقعه المعاشي، كتحسين مفردات البطاقة التموينية أو تقليل نسبة البطالة، أو تقديم الخدمات الصحية والتربوية، مما يؤكد أن أداء الحكومة الحالية لا تختلف عن سابقاتها.
لو بحثنا عن إنجاز حقيقي للحكومة يمكن تقديمه للمواطن خلال الفترة الماضية، لطال بحثنا كثيرا دون أن نعثر على منجز حقيقي، سوى التكالب على المناصب الحكومية، وتقسيمها وفق المحاصصة المقيته، بعيدأ عن الكفاءة والنزاهة، بل إن أسعار بعض المناصب وصلت الى ملايين الدولارات، في بورصة المزاد، وضاعت شعارات " الإصلاح والبناء " التي كان ينادي بها " البعض ".
عملية أفرزت كتل راضية بالوضع الحالي ومتمسكة بحصتها من مغانم السلطة، فهي لا تستطيع أن تحيا بدون مناصب حكومية، كالسمك يموت إذا أخرجته من الماء، ورغم ذلك تحاول هذه الكتل أن توهم الناس إنها غير راضية عن الأداء الحكومي، بينما أصرت كتل أخرى على الذهاب الى المعارضة السياسية، وإيجاد مسار معارض لشكل وأداء الحكومة، محاولة تغيير النمطية التوافقية التي سارت عليها العملية السياسية.
ذلك الإختلاف أوجد صراعا بين أحزاب الموالاة وجبهة المعارضة الجديدة، وكالعادة حين يقوم البعض بمهاجمة كل جديد أو ما يتعارض مع مصالحه، خرج سيل من الإتهامات للمعارضة بأنها تسعى للحصول على المناصب التي حرمت منها، وأن تأثيرها معدوم في الساحة العراقية، وغاب الحديث عن الإنجازات الحكومية والنقص الواضح في الخدمات، والحكومة العرجاء الفاقدة لبعض وزرائها، والمناصب الخاصة وحجم التصارع عليها ومحاولة الإستئثار بها من أحزاب السلطة.
أغلب الكتل السياسية المشاركة في الحكومة راحت توجه سهامها نحو تيار الحكمة، لأنه إنتهج طريق المعارضة، وهي حالة صحية لابد للعملية السياسية منها.. رغم أن هذه الكتل نفسها جاهدت ونقضت إتفاقاتها مع الحكمة، من أجل إبعاده عن المشاركة في الحكومة الحالية.
للمضي في طريق المعارضة لابد من أنتهاج أسلوبين: الأول تشكيل كتلة برلمانية معارضة، تهدف الى تقويم الأداء الحكومي، ومراقبة عمل المؤسسات الحكومية والإشارة الى مكامن الضعف والخلل، والثاني هو إستخدام الجماهير كأدوات ضغط من أجل تعديل مسار العمل الحكومي، وذلك ما تحاول أن تلجأ له جبهة المعارضة بإخراج جماهيرها في مظاهرات مطالبة بالإصلاحات.
الغريب أن الكتل الموالية للحكومة؛ صارت تهاجم مظاهرات المعارضة قبل إنطلاقها، تحت حجج وذرائع واهية، بينما هي كانت تملأ ساحة التحرير بأنصارها من كافة المحافظات، وبعضها كان يخرج أنصاره بالزي العسكري، من أجل شعارات وغايات حزبية أو قومية، وكأن ما فعلوه حلال عليهم حرام على غيرهم.
شهدت محافظات الوسط والجنوب في العام الماضي مظاهرات عارمة، تسبب بعضها في حرق القنصلية الإيرانية في البصرة وبنايات وممتلكات عامة كثيرة، وراح ضحيتها بعض المتظاهرين نتيجة مهاجمة الأملاك العامة والخاصة، لكن ذلك لم يمنع أحدا من التجاوب معها والتفاعل مع طلباتها، لكن حين تخرج المعارضة بمظاهرات سلمية مجازة قانونيا، فإنها تصبح غير مرغوب بها وتهدد السلم المجتمعي!
نعيش اليوم حالة جديدة في الساحة العراقية، ربما تكون شبيهة بحالة عام 2003، وهي ولادة المعارضة السياسية الدستورية، التي سيعاديها من يجهلها ويقف معها من يعتقد بالعراق الجديد، الذي يجب أن تكون العملية السياسية فيه مبنية على أسس ديمقراطية صحيحة، لذلك فإن نمو وردة بين الأشواك ليس العيب فيها، إنما العيب في من يحاول أن يقطع الماء عنها.