بقلم: علي طه النوباني
كيف يقارب الناس والأطباء موضوع السيجارة الإلكترونية في الإعلام العربي؟
أغلبية الأطباء الذين شاهدتهم على الفضائيات شنوا هجوماً كاسحاً على السيجارة الإلكترونية، وقد تذمرت بعض الحكومات العربية من انخفاض مبيعاتها من السجائر التقليدية، وربما هنالك علاقة بين الأمرين؛ فالحكومات تتظاهر بأنها ضدَّ التدخين فيم هي سعيدة جداً بحجم الرسوم والضرائب التي تجنيها من المدخنين، أما الأطباء فلا أدري ما سبب هذا الحماس الشديد ضد السيجارة الإلكترونية إلى درجة أن بعضهم أوحى بأن التدخين الكلاسيكي أقل خطراً!
وأبعد من ذلك فقد منعت بعض الحكومات بيع السجائر الإلكترونية لمن هم دون 19 عاماً في الوقت الذي منعت فيه بيع السجائر العادية لمن هم دون 18 عاماً، وكأنما الحكومات تدعو الفتيان للتدخين العادي مصرحة بذلك بأن التدخين الإلكتروني أكثر ضرراً خلافاً لما يقوله العقل وتقوله الكثير من الأبحاث.
مشكلة الحكومات أنها لم تجد آليات كافية لتحصيل المبالغ نفسها التي كانت تجنيها من التدخين العادي، فالسيجارة الإلكترونية صغيرة الحجم، سهلة التهريب بما يمنع وضع ضرائب كبيرة عليها، كما أنها تستخدم لفترة طويلة ولا تحتاج إلى شراء يومي مثل السجائر العادية، ويضاف إلى ذلك أن بعض الناس يخلط المواد الرخيصة التي توضع فيها بنفسه بكلفة تؤول إلى الصفر.
هنالك مدرسة عالمية في الصحة العامة تعرف باسم مدرسة خفض المخاطر أو خفض الأضرار (Harm Reduction)، وقد تم اعتماد مقارباتها وأساليبها المرنة والقابلة لإعادة التشكيل والاجتهاد لدى المجتمعات المتحضرة ، واستطاعوا من خلال تلك الاستراتيجيات خفض المخاطر عن الأفراد والكلف على المجتمع والدولة وبنظرة فاحصة وذكية دون مزايدات من جهلة لم يقرؤوا دورية أو مجلة منذ بدأوا سيرتهم المهنية.
يقول أحد الذين انتقلوا من التدخين إلى السيجارة الإلكترونية للطبيب: لقد تركت السيجارة العادية التي تطلق مئات المواد المسرطنة إلى سيجارة تحتوي على أربعة مواد لم يثبت أنَّها مضرة ما عدا النيكوتين، والمتوقع من الطبيب أن يقول له: جميل أنك تدرك أنّ التدخين مضر وأنك راغب في تركه، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، ومن الأفضل أن تتوقف عن السيجارة الإلكترونية أيضاً.
لكنَّ الطبيب يجيبه: جواباً عجيباً من قبيل: السيجارة الإلكترونية سيئة جداً لأنها تشجع الأطفال على التدخين، والسؤال هنا: لو ظهر دواء للسرطان مثلاً لذيذ الطعم ويغري الأطفال بتذوقه، هل ننصح بإبعاده عن متناول الأطفال، أم نمنع الدواء ونقضي الليل والنهار في شتم الدواء.
تدعي الحكومات أنها تخاف على صحتنا، وأنا شخصياً لا أصدق ذلك، فرؤية وزير أو مسؤول حكومي سابق أو حالي ممن ساهموا في سياسات الضياع والخراب تضرني أكثر من التدخين، بل وأكثر من السم النقيع، ورؤية الملايين من الشباب العربي التائه والمعطل عن العمل تصيبني بالاكتئاب والفصام، ورؤية ملايين الأسر العربية تحت خط البؤس تعيق عقلي عن العمل، ورؤية أمتنا في هذا الدرك الأسفل من المذلة والخنوع والفشل تجعل التدخين مثل وخزة إبرة في الجحيم.
من الواضح أن بلادنا تعاني من نقصٍ حاد جداً في المنطق، فطرق الاستدلال لدينا ما زالت ساذجة حدّ الابتذال. وأنّى ضَعُفَ المنطق رَخُصَ سعر الرشوة، وأصبح كلُّ شيء قابلاً للمساومة والبيع بما في ذلك صحة الإنسان ومستقبل الأجيال وحتى تراب الأوطان.