بسم الله الرحمن الرحيم
تمنحنا الظروف الاستثنائية ، و المناسبات و المواسم الدورية و الطارئة ، فرصة لنميز الخبيث من الطيب ، ان هذه الظروف و المناسبات و المواسم تختبر شخصيات البشر ، تكشف معادنهم ، تبرز أفكارهم ، و تفضح عواطفهم ؛ في الظروف اليومية الروتينية العادية الأمر أصعب ؛ فهي - اي الظروف العادية - تمنحنا الفرصة - بسبب زمانها الممتد و طبيعتها المتكررة - لتغطيةعيوبنا و اخفاء مشاعرنا ، اننا ببساطة - مع السنوات و التجارب - نكيف أنفسنا بالطريقة التي توصلنا الى نقطة التوازن بين ما نريده و ما يفرضه المجتمع علينا.
أما في الظرف الاستثنائي ، و المناسبة العابرة القصيرة ، فالأمر صعب ؛ على الانسان ان يتصرف بسرعة ، لا وقت للتكيف :
انه عرس لابن أحد المتنفذين :
ها نحن ندعي ليلا و نهارا أننا نكرهه - اي المسؤول- انه فاسد ، مرتشي ، (نهب البلد)... تصلنا بطاقة الدعوة الى الفرح ، ما العمل ؟
( عيب ما نروحش) .
فعلا عيب الرسول عليه الصلاة و السلام يقول ( اذا دعيتم فلبوا) ، و بعدين مش عشانو عشان عيلتو ، جماعه كويسين ، و ما بقصروا معنا ، أمرنا لله .
وصلنا الى الفرح ، صاحبنا الكاره للأرض التي يمشي عليها المسؤول يكاد يقبل قدميه ، ها هو يشد على يديه ، يعانقه ، يرسل دمعتين من دموع الفرح و أخيرا يتمنى لابنه السعادة !.
انه العيد :
العالم العربي كله يمر بمحنة ؛ مرت علينا سنوات قليل عددها ثقيلة وطأتها ، ملايين المنكوبين ما بين قتيل و جريح و مهاجر او مهجر ، البحر ابتلع ابنائنا ، اغتال المتعصبون و الحاقدون أحلامنا ، استباح العالم أجوائنا ، عبث العابثون بخرائطنا ...
انه العيد :
ها هو يلعن الرؤساء و الملوك و الامراء ، يتغنى بأيام العرب المجيدة ، يترحم على أيام التراحم و التكافل ...
انه العيد :
ها هو ، انه ذاهب الى السوق ، ها هو عائد، انه عائد من السوق ، بل هو عائد بالسوق و ما فيه .
ما هذا يا (أبا عرب) ؟!
و الله (شوية فواكه) - يشير الى كرتونتين تفاح : تفاح احمر و تفاح أخضر ، و كرتونتين عنب : أسود و أخضر ، و نصف قطف موز ، و خوخ و .... الخ - و (شوية خضار ) - كرتونة كوسا و صندوق باذنجان ، و آخر للبطاطا ، و بندوره و خيار .. الخ - و( شوية لحمه) - يشير الى شوال لكم أن تتخيلوا محتوياته المتواضعة ، و ( فحم أرجيلي ، و فحم عادي و اسياخ لزوم النش ) و .
بكفي بكفي يا ( ابا العرب) ، كل عام و انت و الوطن و التراحم بخير !.
انه حفل زفاف ابنته الوحيدة :
هو دائما مبتسم ، حامد ذاكر ، تلمح الرضا في عينيه ، يجامل الصغير و يلاطف الكبير ... لم لا؟ هو مرتاح ماديا ، سليم جسديا ، ناجح اجتماعيا ...
انه حفل زفاف ابنته الوحيدة :
هو يترك الفرح فارا بدمعتين على خديه ، هو لا يريد ان يلحظه أحد ، يجلس في ركن قصي ، يتذكر كل مصائب الكون ، يتذكر الاموات ، و المطحونين من الاحياء ، يبكي على عثمان ذو النورين ، و يتألم لاغتيال علي ، على وفاة عبدالناصر و و على الرحيل المبكر لشافيز ، يعاتب نفسه على تقصيره بحق أطفال العراق ،تماما كما يعاتب نفسه على تقصيره بحق الفقراء من جيرانه ...
انه حفل زفاف ابنته الوحيدة :
هم يحتفلون ، يغنون و يرقصون ، و هو وحده يبكي ، في الأيام العادية ، أثناء الأعمال الروتينية ، هو يبتسم راضيا و هم يتذمرون ، يعاتبهم ، يواسيهم ، يشجعهم ، سنوات من النضال و الكفاح من أجل غيره لم يشتكي خلالها لغير الله ، و في يوم فرح ابنته الوحيدة ينفجر كل الحزن المكبوت في داخله !.
الم أقل لكم انها الظروف الاستثناءية ، انها المناسبات و المواسم ، انها الكشافات ، من الصعب ان نتلون فيها ، ان نمثل ؛ فلا وقت للاعداد ؛ لا وقت للتفكير جيدا حتى ، فليسارع المنافق الى اغتنام الفرصة ، فليبادر الجشع الى استغلال الوقت ، أما المترفعين عن سفاسف الامور ، الباذلين لاوقاتهم من اجل غيرهم ، الحارقين لمهجهم في سبيل الكافة ، العاصرين للقرائح و الادمغة لخدمة قضايا الانسانية ، اما هؤلاء فهذه الاوقات هي اوقات للتأمل ، و ربما للألم بالنسبة لهم ... !