دأبت جميع المجتمعات على تشريع القوانين التي تنظم الحياة البشرية والعلاقة بين أفراد المجتمع، وتكون ميزانا لحقوق الناس وتمنع إنتهاكها، مستندة الى تشريعات دينية أو مبادئ دستورية ثابتة، تشتق منها تلك القوانين.

  لكن الغريب أن نرى إصرارا على قوانين في ظاهرها براق، ولكن عند تطبيقها نراها قد خالفت التشريعات السماوية، المنطلق الإساس لأغلب القوانين وتجاوزت المبادئ والتشريعات الدستورية، التي جعلها الشارع مقدسة يتعرض للعقوبة من يخالفها! بل إن هذه القوانين أخذت تساهم تدريجيا في هدم المجتمع، لأنها تهدم أهم أركانه وهو الأسرة، وذلك بإيجاد تمايز وفوارق بين أفرادها.

نصت المادة (2) أولا من الدستور العراقي: " لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت وأحكام الإسلام " كما إن المادة (41) منه نصت أيضا " العراقيون أحرار في إختيار أحوالهم حسب مذاهبهم وحسب إختيارهم " ورغم ذلك ما زلنا نجد قوانين تخالف التشريعات الإسلامية التي يعتقد بها غالبية العراقيين، أو موادا أساسية من الدستور العراقي، ربما لعجز المشرع العراقي عن إيجاد البدائل القانونية والتشريعية الصحيحة، أو خوفا من أن تثير هذه التعديلات موجة من الانتقاد للمشرعين، من قبل المستفيدين من إبقاء الأوضاع كما هي عليه الآن.

   من أهم تلك القوانين التي ما زال مسكوتا عنها منذ إقرار الدستور العراقي والبدء بسن قوانين مطابقة له، هو قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 وبالخصوص المادة 57 منه، التي تضمنت طبيعة الحضانة للطفل بعد إنفصال الأبوين، ووضعت شروطا وقواعد تسير عليها محاكم الأحوال الشخصية، لفض النزاعات بين الوالدين حول حضانة الاولاد، والتعديلات المجحفة التي وضعها مجلس قيادة الثورة المنحل على هذه المادة، حتى جعلت الأب لا يستطيع حضانة ولده أو العيش معه لحين بلوغه خمسة عشر عاما!

   رغم أن فقهاء المسلمين على إختلاف مذاهبهم أولوا موضوع الحضانة أهمية بالغة وأوجدوا التشريعات " الشرعية " لحضانة الأطفال وهذا ما إعتمده النظام الملكي، الذي أرجع حضانة الطفل بحسب المذاهب والأديان، جاء المشرع العراقي في قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 ووضع المادة 57، بعد أن إستخلص من الآراء الفقهية تلك ما رأى أنه يحقق مصلحة المحضون، وبما ينسجم مع واقع المجتمع العراقي.

   التعديلات التي أدخلها مجلس قيادة الثورة على هذا القانون أفرغته من محتواه وجعلته خطرا يهدد الأبناء وتربيتهم، فبعد أن كانت مدة الحضانة للزوجة سنتين أو سبعة أصبحت عشرة ثم خمسة عشر عاما، وبعد إن كانت الحضانة تسقط عن الزوجة بمجرد زواجها، أصبحت تحتفظ بأولادها حتى لو كان زوجها الأجنبي عليه قيد جنائي! في مخالفة لشروط الحضانة، وهي مصلحة المحضون بحسب ما نص عليه القانون، إضافة الى وسائل الضغط والإكراه والتحرش التي يتعرض لها الأبناء في بيوت أزواج الأمهات، والآباء لا يستطيعون دفع الضرر عن أبنائهم لان القانون في صف الأم.

   ثم أن المشرع العراقي ظلم الآباء والأبناء في وقت واحد، حين ألغى دور الأب في عملية التربية المشتركة وجعل دوره مقتصرا على المشاهدة، التي لا تتعدى ساعتين نصف شهرية أي بمعدل 48 ساعة سنويا! إضافة الى ذلك حجم المشاكل التي يتعرض لها الآباء والأبناء عند سكن الزوجة بعيدا، أو رفضها إحضارهم الى محل المشاهدة لأعذار كثيرة، يدخل في جوانب منها حالات الإبتزاز والضغط النفسي.

   لا بد من مراجعة شاملة لقانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم 188 لسنة 1959، بعد مرور 60 عاما على تشريعة وخصوصا المادة 57 منه، والتي فيها إحجاف كبير على شرائح مهمة من المجتمع العراقي، فإما إلغاء هذه المادة وبديلا عنها تكون الحضانة بحسب المذهب الذي تزوج عليه الاب والأم، أو إلغاء التعديلات التي أدخلها مجلس قيادة الثورة المنحل، والعودة الى أصل المادة في القانون.