أتراها الأفكار انتهت منذ سنوات ونحن نعيش ثورة ضدية ؛( ضد أفكارنا)! فبرامج التطوير النفسي والبناء الروحي قد عملت بشراسة -ونجحت إلى حد كبير- في أن تضع "الأفكار" صنوًا "للشيطان، وللعذابات الأبدية" التي نعيشها منذ الميلاد وحتى التنبه لخطورة أفكارنا وهدرها لقوى الإنسان فينا، وهذا لو تنبهنا أصلا!
لقد اختفت مصطلحات ومفاهيم عاصرتنا منذ عقود -منذ الحرب العالمية الثانية وما بعدها حيث ساد الاعتقاد: أن صراع القوى العالمية يحتكم في جانب السيادة في فرض أفكار مجتمع طامع على مجتمع أقل حظوة تمهيدا للتبعية أو للغزو !- إذ أن إطلاقات من مثل: جهاد الفكرة، الأفكار الحاكمة ،الأيديولوجيا ، مذهب فكري ، المفكِّر، الفكر الإسلامي والماركسي والعولمة الفكرية.. إلخ ، من سلسلة طويلة كانت تتلاعب أمام وعينا ونحن نكتسب أبجدياتنا عن فهم الحياة وموقعنا فيها-نراها قد اختفت اليوم! ونعيش الآن زمن الإنسان المنكفئ على أحلامه والمهموم بصناعة "أسطورته الشخصية"، هذا المصطلح الذي تم تداوله في رواية "الخيميائي" للكاتب باولو كويلو، واشتعل كالنار في النار! ومن تحته بمكن إدماج الأساطير المذهلة مثل: ستيف جوبز، أوبرا وينفري، وآخرون صنعوا أنفسهم من لا شيء!
ولا مشكلة في الصناعة الخاصة، ولكن هل كان لهذا العالم أن يتطور بجدولة مشروعات فردية مؤطرة بحيز تجاربها المفردة ، ومن ثم "شخصنة" الإطار الفكري الذي تتركه في العالم!؟
في مرحلة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، كان المفكرون من أمثال: جورج أورويل، سارتر، نعوم تشومسكي، ينشغلون بالأفكار التي تموج في بيئات أو طبقات اجتماعية أو أممية بعينها، وكيف لهذه الأفكار أن تحرِّك التطور في الوعي الإنساني على المدى البعيد، فالإنسان يخضع لحركة تطور باطن هي أصدق من نشوء و تطور الأجناس في نظرية دارون. ولهذا كان الكاتب مفكِّرا بحق! فهل تراها الأفكار قلّت -أو ربما عدمت-أم تراه العقل الذي التزم بأسطورته الشخصية ؛ هو الذي عقم أو فقد مهارته في استشعار الفكرة وسط الخبط والظلام وغلبة الهمّ الفردي؟!
ليت الأفكار العظيمة تعود.