Image title

بقلم: علي طه النوباني

حتى وقت قريب، لم أكن أعرف أنَّ أبا العلاء المعري مطلوب حياً أو ميتاً.

قمت بتوزيع خبر عن مهرجان الإبداع الأدبي النقدي الرابع والذي تم إطلاق تسمية "موسم أبو العلاء المعري" عليه  كما جرت العادة لدى إدارة هذا المهرجان، والتي تقضي بتسميته باسم واحدٍ من أعلام الأدب والشعر واللغة العربية في كل مرّة.

تفاجأت بأن كثيرا من المواقع أحجمت عن نشر الخبر، بينما لجأت مواقع أخرى إلى نشره مع شطب اسم أبي العلاء من العنوان، فقد كان العنوان في الخبر المرسل: " موسم أبو العلاء المعرّي لدى كتّاب جرش" فقاموا بتعديله ونشره على النحو التالي:" مهرجان الإبداع الأدبي النقدي الرابع لدي كتّاب جرش".

لم يحدث مثل هذا في الأعوام السابقة : موسم المتنبي، موسم البحتري، موسم عرار. ولم أجد تفسيراً واحداً لهذا العداء المباشر لرهين المحبسين صاحب " سقط الزند" و " رسالة الغفران" و"اللزوميات"، وغير ذلك الكثير مما خدم به الثقافة العربية والإنسانية جمعاء.

هل ظنَّ بعض المحررين بأننا وقعنا في خطأ نحوي عندما أسمينا المهرجان " موسم أبو العلاء المعري" وليس أبي العلاء؟ سيكون الأمر على هذا النحو سهلاً، فما عليك عزيزي الصحفي المتحوِّل عن بائع متجول إلا العودة إلى مراجع ومصادر اللغة والنحو أو لأحد العارفين باللغة والنحو لمعرفة درس الحكاية.

أما إذا كان لديك عزيزي الإعلامي قائمة سوداء للمبدعين العرب أحيائهم وأمواتهم، فما علينا من المحيط إلى الخليج إلا أن نهيل التراب والرماد على رؤوسنا، فنحن الأمة الوحيدة التي لا تبني حجراً على حجر؛ بل تنثرها في أفق الضياع مثل المقابر، ونحن الأمة الوحيدة التي ما زالت تحارب العقل وكل من يحاول اللجوء إليه، ونحن الأمة الوحيدة التي تحاكم الأموات قبل الأحياء محاكمة غير عادلة، وتسلب حق الحياة بسبب رأي أو كلمة.

لستَ وحدك يا أبا العلاء رهين المحبسين، هذه أمة بأسرها تقبع في سجن القوائم السوداء، والعقول الغائبة، والأحكام الجاهزة، ومرض السير نحو الوراء. فلا أسماؤها تدل على مسمياتها، ولا أشياؤها تبدو على حقيقتها من كثرة الزيف والخداع، ولا منازلها تشعر بالراحة لكثرة ما يمتطيها خيالات المآتة والتافهون.

وأنت يا من ألقيت القبض على أبي العلاء، ماذا ستفعل به، هل ستودعه السجن وهو رهين المحبسين، هل ستقتله وهو الراحل جسداً من ألف عام، أم ستقتل تراثه من قلوب ملايين المثقفين والمبدعين، معركتك خاسرة يا صديقي، لكنني أعترف أنها طويلة بحكم قسوة الجهال ورومنسية العارفين.