هذا خطأ مشهور وقد وقع فيه عدد من الأصحاب المتأخرين والأمر هنا يثير التعجب إذ لو كان الإمام أحمد يجيز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو يرى ذلك يمينا منعقدة تجب بها الكفارة لبطل استدلال مشهور جدا في كتب المتقدمين حنابلة وغيرهم على أن القرآن غير مخلوق وهو استدلالهم بالأثر المروي عن ابن مسعود : من حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين . قالوا : ولو كان القرآن مخلوقا لما انعقد به اليمين لأن اليمين لا تنعقد بمخلوق وممن استدل بهذا الاستدلال ابن بطة الحنبلي في الإبانة حيث قال : أوليس قد أوجب عبد الله بن مسعود رحمه الله على من حلف بالقرآن بكل آية كفارة؟ فهل يجب على من حلف بمخلوق كفارة؟وبهذا الاستدلال استدل ابن تيمية في التسعينية واستدل بذلك اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة وهو حافظ كبير مطلع ، علما أن الشيخ تقي الدين قرر في عدة مواطن وجود الخلاف وذلك عندي محمول على المجاراةفَلَو كان فَقِيه جليل كالإمام أحمد رأى انعقاد اليمين بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو مخلوق لما استقام الاستدلال لأنه في وقتها يقول الجهمي قد أجاز أحد كبار علمائكم انعقاد اليمين بمخلوق وإذا نظرنا في روايات أحمد المشهورة في باب الحلف بغير الله لوجدناه يكره ( كراهية تحريمية ) الحلف بغير الله بشكل واضح قال إسحاق بن منصور: قلت: تكره أن يحلف الرجل بعتق أو طلاق أو مشي؟قال: سبحان الله تعالى من لا يكره ذلك، لا يحلف إلا بالله عز وجل.قال إسحاق: كما قال."مسائل الكوسج" (1777)لاحظ قوله ( من لا يكره هذا ) ثم علل بأنه لا يحلف بغير الله فكأنه ينقل الاتفاق على عدم جواز الحلف بغير الله فقوله (لا يحلف إلا بالله ) قام مقام التعليل لقوله : ( من لا يكره هذا ) ولما تكلم الترمذي عن مسألة الحلف بغير الله ما نقل خلافا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج أحمد والترمذي حديث من حلف بغير الله فقد أشرك وما رأوْا نكارة في متنه ولو كان يدخل في مضامينه الحكم بشركية مباح لاعتبرت نكارته وقد استنكر الإمام حديث ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ) بما ذكر من دية القتل الخطأ وقال الحجاوي في الإقناع : ويحرم الحلف بغير الله وصفاته ولو بنبي لأنه شرك في تعظيم الله فإن فعله - استغفر وتاب ولا كفارة في اليمين به ولو كان الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم: سواء أضافه إلى الله كقوله: ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي وأبى وغير ذلك ويكره بطلاق وعتاق.فما قصة الحلف برسول الله إذن ومن أين دخل الاشتباه ؟نقل عنه أبو طالب فيمن حلف بحق رسول الله وجبت عليه الكفارة."المبدع" 9/ 364فالأمر في الحلف ( بحق رسول الله ) فهل هي رواية أخرى شذت عن كلام الجمهور وبقية كلام الإمام أم لها تخريج ؟. الأمر كما تلاحظ حلف ب( حق رسول الله ) وليس ( رسول الله ) وقد ذكر شيخ الإسلام في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة أن هذا التركيب قد يعنى به فعل الله غير المخلوق قال الشيخ في قاعدة جليلة : أما قول القائل: أسألك بحق السائلين عليك، فإنه قد روي في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه، لكن لا يقوم بإسناده حجة، وإن صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان معناه: أن حق السائلين على الله أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو كتب ذلك على نفسه، كما قال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة:186]، فهذا سؤال الله بما أوجبه على نفسه كقول القائلين: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران:194]، وكدعاء الثلاثة الذين أووا إلى الغار لما سألوه بأعمالهم الصالحة التي وعدهم أن يثيبهم عليها.وأحسب أنه بهذا يجمع فيقال حق رسول الله المقصود الذي قيل بانعقاد اليمين به هو ما وعده الله به من الإجابة أو ما خصه به من الإكرام فيكون حلفا بصفة من صفات الله عز وجل على الحقيقة وبهذا يتسق الكلام ويزول الإشكال خصوصا وأنك لو نظرت في استدلالات الأصحاب في عدم انعقاد اليمين بالحلف بغير الله ستجدها متضمنة للنبي صلى الله عليه وسلم وإخراجه من الأدلة محض تحكم لا بينة فيه ولهذا ما اختاره شيخ الإسلام وابن منجا هو الحق الذي لا مناص عنه وقال ابن قدامة في المغني : فصل: ولا يجوز الحلف بغير الله تعالى، وصفاته، نحو أن يحلف بأبيه، أو الكعبة، أو صحابي، أو إمام قال الشافعي: أخشى أن يكون معصية. قال ابن عبد البر: وهذا أصل مجمع عليه.وقال في أمر الحلف بالنبي : فلم يوجب الكفارة، كسائر الأنبياء، ولأنه مخلوق، فلم تجب الكفارة بالحلف به، كإبراهيم - عليه السلام - ولأنه ليس بمنصوص عليه، ولا في معنى المنصوص، ولا يصح قياس اسم غير الله على اسمه؛ لعدم الشبه، وانتفاء المماثلة. وكلام أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب.

عبد الله الخليفي