في رمضان شعرت بإلتهاب حول ضرس العقل ما جعلني ازور الطبيب ونصحني بخلعه كما نصحني بذلك غيره  من الأطباء ، وطلب مني البدء بتناول مضاد إلتهاب وزيارته مرة آخرى بعد عيد الفطر لخلعه  .

في حقية الأمر أن الإلتهاب تشافى أغلبه وأشعر أن الأمور ستبدو جيدة لكن لدي شعور مجنون بخوض تجربة جديدة ! تجربة مواجهة الخوف والألم في نفس الوقت وإن كان في أمر تافه كخلع ضرس .

أتفكر دائماً عن أولئك الشجعان الذين يواجهون الموت وليس الألم فقط في الخنادق بشكل يومي ، ولست أعني الجندي الذي وجد نفسه في حرب طاحنة لأنه يعمل في السلك العسكري قبل أن تدق الحرب طبولها بل أعني من حملته قضيته وفقط قضيته إلى الخندق .

وأتسائل دائما كيف يموت فرد من أجل أن تحيا قضيته ؟ ولماذا أناصر قضية غالباً لن أعيش نجاحها وتسيدها ؟

كيف ينحاز مقاتل مع قضية ضد نفسه ؟ وهذا فيما يبدو لي تضحيات ،وإن كان التاريخ جعلها مستساغة وروج لها واعتبرها أقصى مراحل الشرف كما تفعل الجيوش المنظمة أو الجماعات المقاتلة لكنها تستوقفني .

ماذا لو انحاز الفرد لذاته وقال لن أموت من أجل أن تحيا الدولة أو القضية فأنا القضية وأنا الدولة ، أليس ذلك ما يجعل الحروب أقل ، والنزعة للحرب لا يتخذها قائد لأنه لن يجد حطب بشري يشعل به حربه .

وكما يرددون الحرب يقودها الشجعان ويجني ثمارها الجبناء ، وأقول من زاوية أخرى الحرب يخوضها أصحاب القضايا ويموتون ويجني ثمارها الأقل إيماناً بالقضية . وكأن أصحاب القضايا يموتون هم وقضاياهم ! وهذا تساؤل قد يغير المعادلة تماماً .

أعود لشعور الخوف الذي بدأته والذي انتهزت هذه الفرصة لمواجهته ، في الحقيقة لم أشعر حينها بأي ألم بسبب المخدر . لكني واجهت القلق والتوتر .

فالطبيب كان بجواره طبيب آخر وكانوا يتناقشون حول صعوبة العملية وان الضرس جذوره طويلة ، وأحدهم يقول اخلعه بقوة ويرد الأخر لو فعلنا ذلك سينكسر الضرس وتصعب عملية الخلع ، ويستعين بآلة حادة يحفر بها حول الضرس . لكن حِلم الطبيب الجراح وخبرته أدت لإنتهاء المهمة بنجاح لكن بكثير من القلق والتوتر .

وما أن انتهى مفعول المخدر بدأت اتلوى على سريري كما تفعل الحية عندما تضرب رأسها وخضت تجربة الألم بكل ندم :)