تبدو السعادة المطلقة أقرب إلي الخيال منها إلي الواقع ، فهي لا تتحقق بالمال وحده أو الغنى ، ولا بالقوة والمنعة الكاملة ، ولا بأي مقياس من مقاييس البشر. ففي كل أمر تقصده وتظن في نيله السعادة تجد أنك قد تركته وأنت تظن أن السعادة في أمر آخر ثم ما برحت تقصد أمر تلو آخر وانت تنشد فيه السعادة حتى يفنى عمرك ولا تدركها.

        إن الإنسان في سعيه للسعادة بهذه المقاييس أشبه بالحمار الذي علقت أمامه جزرة يركض نحوها فتركض منه ، فلا هو ينالها ولا هي ينال منها التعب.

        لكن السعادة المطلقة موجودة فعلا ، فقط إن تغيرت المقاييس التي صنعناها لقياسها ، فالمقياس الحقيقي الوحيد هو الرضا ، وهو الضامن لسعادة مطلقة لا تتأثر بغنى او فقر ، ولا قوة او ضعف.

        إن الرضا ثمرة تقطفها لزرع يحتاج منك مجهودا لينمو ، فهو يرتبط دائما وأبدا بأن تجد الخير في كل أمر يصيبك وذلك لا يتحقق إلا بنفس تتشبع بالإيمان وتدرك كمال الإدراك أن الله مسير للأمور بقدر معلوم ، وأن الخير دائما فيما اختاره الله.

        إن الرضا يحتاج أن تنظر لكل ما يصيبك بعين متفائلة ، تخرج من كل أمر اجمل ما فيه ، عين تنظر بها إلي ما تملك وتتجاهل بها ما لا تملك ، فالنظر إلي ما يملكه غيرك لا يوجد في نفسك إلا السعي له علك تجد في ذلك سعادتك ، ثم لا تجد.

        وإن النظر إلي من هم دونك يهون عليك حالك وينمي فيك الرضا ، فتجد فيما تملك قيمته التي كانت غائبة عنك ، وراحتك التي كنت تبحث عنها في اشياء أخرى. والرضا والصبر صنوان ، فالرضا يهون الصبر على الابتلاءات ويسهل عبورها ، اما الصبر فهو عين الرضا ودونه لا يتحقق كماله.

        ونجد فيما نجد حولنا غنيا قد فقد صحته ، وصحيحا قد فقد بسمته ، وفقيرا قد ملك عافيته ، ووزيرا قد تكالبت عليه الهموم ، وغفيرا في غرفة من القش مسرورا ينوم. فلو رأيت كل ذلك لعلمت أن السعادة قرار داخلي لا يرتبط بمادة او منصب.

        ان الرضا يحتاج منا العمل والتدريب لبلوغه ، أن نجتهد فيه مهما أصابتنا المصائب وان لا نيأس أو نستسلم ، يحتاج منا أن نسعى لجعله عادة بفعلها تتحقق السعادة.