على مد البصر جنده ، بل عبيده .. كل أمر أمره نفذوه صما وعميانا ، لقد طغى فرعون وتجبر وقتل وبطش وتكبر بل أله نفسه ليعبد وقال انا ربكم الأعلى. كان له حاشية من الخدم ، وجماعة من المتسلطين المتسلقين على بلاطه منبطحين مستلقين وكان له كهنة تجار دين يمهدون له البطش بالمستضعفين.

        في أوج ملكه وأشد بطشه ورغم كل خدمه وجنده وقف له عبد - كما ظنه هو - أمام الجموع المحتشدة تترقب ماذا يصنع ، وقف وتحدى قبل جند فرعون خوفه. لربما في زمن مثل هذا لنادى البعض يا هذا أتريد صنع الفوضى؟ يا هذا ألا تدرك نعمة الأمن التي أنت فيها ؟

        في زمن مثل هذا لحملوه إثم كل جرم يرتكبه فرعونهم العظيم ، في زمن مثل هذا لأوجدوا لفرعونهم ألف عذر لبطشه ، لكنهم ما كانوا ليجدوا لموسى أي عذر لتحديه وصموده. لكنهم ، ولبؤسهم ما عبدوا الله حق عبادته وما عرفوه حق معرفة ، فلو عرفوه لعرفوا أن الحق منتصر مهما عظم شأن الظالم وإن امتلك من الجند عددا ومن الكنوز مددا.

        نصر الله عبده ودحر فرعون وجنده ، بحر من الظلمات أضاعوا فيه حياتهم ، وفي بحر عميق لقوا حتفهم وكذلك جزاء كل طاغية ، فلكل ظالم نهاية ، والعاقل من اتعظ بغيره.