(حوار حول الاسلام والعلمانية في ليبيا وما شابه من البلدان العربية!)(*)

*********

قال الصديق Abdelkader Abdulla : " أليست العلمانية هي سبب نجاح الدول العظمى؟ في بريطانيا مثلاً، تتمتع جميع الملل والنحل بحق التعبد. بينما في الدول الدينية لا يحق للآخر ممارسة شعائره وطقوسه الدينية، بل ربما يتعرض للاهانة أو الضرب، وحتى القتل بسبب دينه. أليست العلمانية هي التي قضت على الحروب الدينية المدمرة في أوروبا؟"

* * *

فكان جوابي: " أخي Abdelkader Abdulla هذه الليبرالية وليست العلمانية ، بالليبرالية يضمن كل فرد حقوقه وحرياته الفردية في العقيدة والعبادة والعمل والخصوصية وكذلك الحال بالنسبة للأقليات الدينية والثقافية، وبدراستي لليبرالية وللاسلام لا اجد اي تعارض جدي بين الاسلام والليبرالية ، لكن بالطبع ان حدود الحريات الفردية قد تتأثر بخطوط المجتمع الحمراء ، مثلًا في بريطانيا حتى الستينات كانت المثلية ممنوعة قانونًا وتعتبر ((شذوذ جنسي ومرض نفسي)) يعاقب عليها قانون الدولة البريطانية الديموقراطية أما بالسجن او بالخضوع للعلاج الاجباري بالهرومونات!، وبريطانيا في ذلك الوقت لم تكن دولة ديكتاتورية ولا شمولية بل كانت (أم الديموقراطية الليبرالية) في العالم!، لكن المجتمع البريطاني نتيجة عدة عوامل بدأ يتساهل مع السلوك الجنسي تحت ضغط الموجة التحررية التي بلغت درجة (الاباحية)التي اعقبت الحربين العالمتيْن وبالتالي فإن حدود المجتمع البريطاني الحمراء في مسألة السلوك الجنسي للافراد تغيرت!، وبالتالي لم يعد قطاع كبير من البريطانيين يعتبر المثلية شذوذًا جنسيًا ومرضًا نفسيًا بل اعتبروه ميلًا شخصيًا يدخل ضمن الحرية الشخصية والعلاقات الخاصة بين الافراد!!، لكننا نحن في المجتمعات المسلمة لازلنا نعتبره كذلك أي أنه (شذوذ جنسي ومرض نفسي بل ومعصية دينية)، لذا فهذا قيد اجتماعي ثقافي على حريات الافراد الشخصية وعلاقاتهم ، وهكذا فإن لكل مجتمع ديموقراطي ليبرالي حدوده وخطوطه الحمراء التي قد تتسع أو تتقلص بحسب المزاج الاجتماعي العام ، أما بقولك في الدول الدينية لا تتمتع الطوائف بممارسة طقوسها الدينية وتتعرض للاضطهاد فإن كنت تقصد بالدولة الدينية دولة الكنيسة والبابا الثيورقراطية التي سيطرت على اوروبا فكلامك صحيح، أما إن كنت تقصد بها الدول الاسلامية عبر التاريخ فهذا ليس صحيحًا فهذه الدول لم تكن دينية ولم تكن تمنع لا النصارى ولا اليهود ولا المجوس ولا حتى الهندوز في الهند من ممارسة طقوسهم الدينية، فالدولة المسلمة حسب تعاليم الاسلام يجب أن تكفل حرية العقيدة للافراد وللطوائف غير المسلمة ولهذا ظلت معابد المسيحيين واليهود قائمة في ديار المسلمين حتى جاء المتطرفون الاسلاميون الغلاة (الدواعش/الخوارج) كإمتداد للخط الوهابي والجهادي المتشدد بفهم متطرف منحرف وقاموا بهدمها وباستهداف النصارى!!، وهو أمر يرفضه الدين وتمجه الغالبية من المسلمين وعلمائهم ، أما كون العلمانية قضت على الحروب الاهلية فليس بدقيق انما الليبرالية وانتشارها مع ظهور المذهب البروتستانتي في المانيا وبريطانيا هو ما سمح للتسامح الديني ان ينتشر في أوروبا انما العلمانية جاءت كرد فعل ضد طغيان البابا والكنيسة ضد الملوك وضد العلماء وهو أمر غير موجود عندنا في عالمنا الاسلامي فلا نحتاج للعلمانية للفصل التام بين الدولة والدين حتى في الأحوال الشخصية كما يريد العلمانيون التوانسة!، بل نحن نحتاج إلى الديموقراطية الليبرالية - مع مبدأ الاسلام دين الدولة - لتكون دولتنا المسلمة دولة ديموقراطية ليبرالية تضمن الحريات الشخصية والسياسية للمواطنين وللاقليات غير المسلمة في ظل ضوابط الدستور ، والملاحظة الاخرى فإن العلمانية لم تمنع وقوع الحروب القومية والوطنية بين الدول الغربية ففي ظلها شهدت اوروبا أسوأ وأقسى الحروب (الحربين العالمتين العلمانيتين!!) ولكن هذا الشر العظيم تم في ظل العلمانية ومع انحسار الليبرالية وانتشار الموجة الشعبوية الشمولية خصوصًا في ألمانيا وايطاليا وكما يحدث اليوم في بعض الدول الغربية مما يهدد بانتهاء الربيع الذهبي لليبرالية ولنهاية تاريخ (فوكوياما)!!.. ففي ظل الدول لعلمانية كما في ظل المجتمعات الدينية يمكن أن تقوم أبشع الانظمة الديكتاتورية والشمولية ولكن هذا لا يمكن في ظل الديموقراطية المشبعة بالليبرالية كما هو حال بريطانيا مثلًا مهد الليبرالية ثم الديموقراطية البرلمانية! ، تحياتي"

* * *

قال الصديق Khaled F. Aobede : "أخي سليم أعتقد بأن هناك لبس عليك أو عليّ ...العلمانيه هي فرع من اللبراليه حيث أن العلمانيه تعترف بوجود الدين كشكل عام للدوله دون أن يكون له سلطه أم اللبراليه لا تعترف بالدين من الأصل كشكل للدوله. ....وأيضا العلمانيه كانت نتيجه للتفسخ الكبير في القيم الناتج عن الحريه المطلقه أو كما يقال اللبراليه. ...صحح لي لو انا مخطا فالامر مهم لي. ...ديما طيب ياباشا"

* * *

فكان جوابي: "اخي (خالد) حسب قراءاتي لا يوجد ترابط عضوي بين الليبرالية والعلمانية ولا الديموقراطية، فلكل منها تاريخ وخط نشوء وتطور مختلف زمانيًا عن الآخر، بدليل ان الدولة قد تكون علمانية ولكنها غير ديموقراطية ولا ليبرالية بل قد تكون دولة علمانية ديكتاتورية وشمولية!، وقد تكون ليبرالية وغير ديموقراطية كحال الدول الأوربية الغربية فهي أصبحت ليبرالية قبل أن تصل للديموقراطية بصورتها الحالية فهي لوقت قريب، كما في أمريكا - كانت تمنع النساء والرقيق وبعض الفئات الفقيرة من حق الترشح أو التصويت!، فالديموقراطية لاحقة لليبرالية وليست سابقة، ولكن كل هذه التوجهات الفكرية والقيم الاجتماعية والسياسية في النهاية تجسمت في الدولة الغربية بصور مختلفة حسب خصوصيات كل بلد، فبينما فرنسا متشددة علمانيًا وربما وطنيًا فإننا نجد بريطانيا - أم الديموقراطية الليبرالية - تختلف حيث أن الملكة رئيسة الكنيسة الانجليزبة التي هي الكنيسة الرسمية للدولة وحيث نجد لرجال الدين المسيحي دون غيرهم عدد ثابت في مجلس اللوردات وليس لرجال الدين المسلمين او اليهود او الهندوز حصة محددة !!، فهل مع هذا يصح القول أن بريطانيا علمانية!؟ اي العلمانية بصورتها المثالية ومفهومها الأصولي الذي يقتضي أن تكون الدولة لا دين لها ولا تنحاز لاي دين!؟؟ هذا غير متوفر في بريطانيا واقعيًا، فبريطانيا دولة ديموقراطية ليبرالية تعتز بمسيحيتها على المذهب البروتستانتي لا هي دولة علمانية صرفة ولا هي دولة دينية ثيورقراطية ، بل هي دولة ليبرالية ديموقراطية (متسامحة).. وللعلم ان الدول المسلمة منذ الدولة الاموية لم تكن دولًا دينية بالمفهوم الثيوقراطي أي الدولة التي يحكمها رجال الدين، بل كانت دولًا مسلمة متسامحة مع اليهود والمسيحيين وحتى المجوس والهندوز في اغلب اوقاتها ولكنها لم تكن دولًا دينية بالمفهوم الثيورقراطي كما في عهد الدول الاوربية التي تخضع للبابا والكنيسة ورجال الدين بشكل مطلق!، وتقوم على أساس أن الملك ظل الله في الأرض وأنه معينٌ من الله قدرًا ليحكم الناس وبالتالي من يعارضه فهو يعارض قضاء الله وقدره!، وظل هذا الحال في الدول الأوربية تحكم سلطان البابا والكنيسة حتى ثار الملوك ضدها متحالفين مع بعض المفكرين والعلماء ودعاة الاصلاح الديني وتمردوا عليها واعلنوا (العلمانية) للتخلص من سلطان البابا، فهذا السبب الأول في الثورة العلمانية فهي ثورة الملوك ضد الكنيسة الكاثولوكية والبابا، فهذا نحن توجد لدينا كنيسة أو بابا أو رجال دين يحكموننا اليوم حتى نحتاج للعلمانية!؟؟... فحتى السعودية بالرغم من كل ما يقال عنها فهي والله ليست دولة دينية قطعًا لا يحكمها رجال الدين بل دولة مسلمة يحكمها الساسة والسلاطين!، تحياتي"

* * *

قال الصديق Abdelkader Abdulla : " اتفق معكم في بعضٍ مما تفضلتم به، فبالفعل قد تظهر دكتاتوريات في ظل دول تدعي العلمانية، لكن ذلك لا يحدث غالباً إلا في الأنظمة الشيوعية أو المتأثرة بأفكارها التي تعادي جميع الآديان دون تمييز، مما يسقط عنها صفة العلمانية التي تحفظ لجميع من علي أرضها، مواطنين كانوا أم مقيمين، حق العبادة والتفكير والتعبير عن الرأي. والسؤال الآن، أليست العلمانية والليبرالية مرتبطتان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً؟ في الدولة الدينية لن تبصر الليبرالية النور لأن الدين الرسمي فيها سيكون المرجعية لكل شيء. في الفلسفة الاسلامية - مثلاً - يجب على اتباع الآديان الأخرى اعتناق الاسلام أو دفع الجزية أو القتال، وهذا يتناقض مع مبدأ الحريات العقائدية وحقوق المواطنة. وبذلك، ستصبح الليبرالية مجرد شعار لن يستفيد منه سوى المسلمين، "الملتزمين تحديداً" . عندما قامت داعش بذبح الأقباط في سرت كان منطلقهم هو "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.

وبالتأكيد، لا أدعي الصواب المطلق في طرحي، لكن هذا رأيي المستند إلى ظروف الواقع.

* * *

وكان جوابي: "أخي (عبد القادر عبد الله) ، تركيا وتونس كانتا دولتين علمانتين مع بعض التشدد الديكتاتوري ومع ذلك لم تكونا دولتين شيوعيتين!، وانما الشيوعية تقوم على (الالحاد) بل (وتحريم وتجريم التدين!) وليس العلمانية، العلمانية تعني ان الدولة ليس لها دين وتقف على حياد مع أديان المواطنين بكل طوائفهم وهي تسن القوانين حسب العقل المطلق دون الرجوع لدين المجتمع!... نحن في ليبيا ليس لدينا طوائف دينية ولا ديكتاتورية بابوية وكنيسة لذا ما حاجتنا للعلمانية!؟؟؟ ، نحن فقط نحتاج للديموقراطية الليبرالية، فتكون دولتنا الليبية المسلمة الحالية دولة ديموقراطية ليبرالية بقوانينها وسلوكها السياسي مع انها دولة (مسلمة) اي ان دستورها كدستور المملكة الليبية - وقبله دستور برقة - ودستور المملكة الاردنية والمغربية يحترم أديان وخصوصيات الطوائف الدينية لغير المسلمين من سكان الدولة، اي يحترم حقوق الاقليات غير المسلمة، أي مع ان الدولة مسلمة ولغتها الرسمية اللغة العربية لكن الدولة تحترم ديانات المواطنين غير المسلمين وتحترم لغات المواطنين الليبيين غير العرب، هذه هي الليبرالية فيما يتعلق بموقفها من الأقليات وهو موقف يتفق مع الاسلام روحًا ونصًا!، فضلًا عن احترام حقوق المواطنين الشخصية كأفراد بما فيها حق الايمان بدين أو عدم الايمان ((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))(( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين))؟؟، هذه هي الليبرالية كفلسفة اجتماعية تقوم على حماية حقوق وخصوصيات وحريات وممتلكات الافراد والأقليات وليست العلمانية ، وهو ما نحتاج اليه في دولنا المسلمة الحالية اي ضخ المزيد من شحنات الديموقراطية والليبرالية في قوانين وسلوك الدولة وموائمتها بتعاليم الاسلام الليبرالية التي تُعظِّم حرية وكرامة الانسان وتُعظّم من حرمات الأفراد وحقوقهم وخصوصياتهم وكذلك حقوق الأقليات، وأما ان الدولة المسلمة ((الامبراطورية الاسلامية)) كانت تقوم بفتح البلدان إما صلحًا أو عنوةً في عصر الفتوحات والامبراطوريات وأنها كانت تُخيّر اهل البلدان التي تريد أن تفتحها وقبل أن تقتحمها بين البقاء على دينهم مقابل ضريبة يدفعونها للدولة باعتبار بلادهم صارت جزءًا من الامبراطورية الاسلامية، فهذا صحيح ، فهذا يدل على انها لا تفرض الايمان بعقيدة الاسلام غصبًا كما فعل الاسبان بالمسلمين واليهود في الاندلس بعد استردادها!. الامبراطورية الاسلامية كانت تخيرهم بين هذه الامور الثلاث اي البقاء على دينهم مقابل دفع ضريبة ولاء للدولة وكانت تُسمى (الجزية)، او الدخول في الاسلام وبالتالي دفع زكاة اموالهم للدولة، وقيمة الزكاة اعلى من قيمة الجزية لعلمك!، فالزكاة ضريبة تصاعدية على (الدخل) بينما الجزية ضريبة ثابتة على (الرقبة)!، واذا رفض السكان الدخول في دين الاسلام ورفضوا الدخول في طاعة امبراطورية المسلمين بدفع الجزية كدليل على الولاء للدولة، فهذا يعني انهم يختارون الاحتلال بالقوة!، فهذا السلوك التخييري قبل الغزو واقتحام المدن التي يُراد فتحها في ذلك الزمان يعتبر سلوكًا جيدًا بالقياس لذلك الزمن الرهيب في القرون الوسطى!، فعادةً نجد الامبراطورية القوية تداهم البلدان على حبن غرة وتجبر السكان على اعتناق دين ومذهب الدولة غصبًا وإلا فالسيف!، هذا كان جزءًا من التاريخ المنصرم، وأما اليوم فعصر الفتوحات ولى وانتهى مع نهاية الحرب العالمية الثانية!، أو هذا ما نرجوه!!، والمسيحيون او اليهود الموجودون في البلدان العربية والمسلمة هم اليوم مواطنون في الدول العربية المسلمة مثل مصر والاردن وسوريا والعراق وتونس، لهم حقوق وعليهم واجبات، ولا أحد يأخذ منهم الجزية بل تأخذ منهم الدولة الضرائب!، بالرغم ان هذه الدول تعلن في دستورها ان (الاسلام دين الدولة) ولكنها لا تفرض عقيدتها أو شريعتها على غير المسلمين، فالاقليات لها معابدها بكل حرية وأمان وهذا هو حكم الاسلام الحق والعدل، لهذا بقت هذه الكنائس والصلبان في عالمنا العربي منذ عهد الصحابة ولم يمسها سوء تشهد بسماحة الاسلام مع بقية الأديان، ولهذا ما تحدثت أنت عنه من قصة الجزية هو جزء من التاريخ وعلينا هنا ان نميّز بين (اسلام التعاليم والمبادئ الخالدة) مثل قوله تعالى: ((لست عليهم بجبار))((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) وبين (اسلام التاريخ) المرتبط بعصر النبي والصحابة أو بعصر الامبراطوريات والفتوحات والعبودية كعرفٍ دولي عالمي كان سائدًا حتى القرن الماضي وانتهى ونرجو الا يعود!.. الشاهد اننا لسنا بحاجة في بلد كليبيا للعلمانية التي اقتضتها ظروف ومشكلات خاصة بالمجتمعات والدول الاوربية في القرون الماضية بسبب طغيان الكنيسة والبابا ورجال الدين ، انما بكل تأكيد اننا نحتاج للديموقراطية ولمزيد من الليبرالية سواء في فهمنا للدين أو للدولة ودون ان نتخلى عن هويتنا وثوابتنا الاسلامية والعربية ، وهذا هو طريق النهوض الواقعي بعيدًا عن مشروعات الاصولية الاسلاماوية غير الواقعية ومشروعات الاصولية العلمانوية غير الواقعية في بلداننا على سواء ، تحياتي".

* * *

قال الصديق Khaled F. Aobede : "سليم الرقعي بارك الله فيك علي التوضيح و شكرًا علي تصحيح المفهوم لدي ....ديما طيب ياباشا"

* * *

فقال الصديق Abdelkader Abdulla : "بداية أشكرك على الرد وايضاح اللبس لدي بخصوص العلمانية والإلحاد.... تونس، كنموذج علماني، جيدة من حيث الحقوق والحريات العامة والخاصة مقارنة بدول المنطقة، والفضل في ذلك - في اعتقادي - راجع للنهج للعلماني للدولة التونسية الذي ورثه لها بو أرقيبة.

أما بالنسبة لليبيا، لدينا طائفية: لدينا السلفية الجهادية والوهابية المتزمتة (الفرقة الناجية الوحيدة من أصل 73 فرقة وشعبة) وجماعة الإخوان الاقصائية جداً، والصوفية والآباضية. وهناك حديث عن انتشار للأحمدية.

والسؤال الآن هو: بأي حجة كانت حرب بنغازي الشعواء؟ بأي حجة اغتيل ضباط الجيش والشرطة؟ وبأي حجة تقاذف المسلمون في ليبيا رؤوس مسلمين آخرين بأقدامهم في شوارع بنغازي هاتفين بجئناكم بالذبح ونُصرتُ بالرعب وغيرها من الأفكار الداعية للاقتتال والحروب والرافضة للتعايش السلمي؟ الديمقراطية - حسب رأيي المتواضع - لن تقُم في أي دولة دينية، خاصة الاسلامية منها، لان الاسلام - على سبيل المثال - يُجرم الانتخابات. فأنى تكون هناك ديمقراطية وتداول سلمي علي السلطة بدون انتخابات؟.. المشكل الآخر، أن فلسفة الحكم الاسلامية تقر بالانقلابات في جزئية الحاكم المتغلب. وتعتبر معارض الحاكم "ولي الأمر" والاختلاف معه في الرأي خروج يستوجب استعمال القوة والعنف لقمعه استناداً لمبدأ السمع والطاعة للأئمة ولأمير المؤمنين حتى الظالم الفاجر منهم!! فقد ورد في البخاري "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ". ولا أدري لماذا اُستُعملت مفردات العبد الحبشي وزبيبة؟ كناية عن سواد لونه، ربما! وفي حديث آخر "لا فرق بين عربي وأعجمي!".. الدولة الاسلامية في الأندلس كانت علمانية في حقيقتها، إذ حوى بلاطها وزراء ومستشارين مسيحيين ويهود. وفي ظل تلك الدولة ازدهرت العلوم وانتشر الفكر البناء والمعارف بكل اشكالها...أنا لا أدافع عن أي دولة أو أمة أخرى، اذ اتفق معك فيما فعله الأسبان بمسلمي الأندلس وما فعلته الكنيسة بحق شعوبها. ما يهمني هم نحن، وأنا أناقش الحل لمعاناتنا وتقهقرنا المضطرد دون سائر الأمم."

* * *

فكان جوابي: "أخ Abdelkader Abdulla تونس لازالت تتخبط والعلمانيون الذين يطالبون مثلًا بتغيير بعض الاحكام الشرعية مثل قضية المساواة في الميراث ينتحرون، هذا مرفوض اجتماعيًا!.. فأي صدام مع نص ديني قطعي الثبوت قطعي الدلالة انتحار سياسي سيستفز القوى المحافظة ويؤدي إلى افشال المشروع الديموقراطي الليبرالي للدول المسلمة ويقوي من شوكة الأصولية ويعطيها الحجة الملموسة لإستئصال العلمانيين ومعاداة الديموقراطية!!، المتطرفون العلمانيون في العالم العربي كالمتطرفين الاسلاميين المتدينيين يسوقون مجتمعاتنا لمزيد من (التأزيم) و(التطرف) وبالتالي للفوضى واجهاض المشروع الديموقراطي الليبرالي.... كلاهما - هذه العلمانية والاسلاماوية - شكل من أشكال الاصولية والتطرف بل واللاواقعية السياسية..... ثم أنت تأخذ تعدد لي الجماعات الاسلاماوية كأنها هي تمثل أغلبية المجتمع الليبي المسلم أو تمثل الاسلام!... هذه جماعات متطرفة ومنحرفة ومنبوذة اجتماعيًا وشعبيًا حالها حال العلمانيين!... الدولة الديموقراطية الليبرالية في ليبيا المسلمة التي دين الدولة فيها الاسلام هي المشروع العقلاني الرشيد والمخرج الوحيد من هذا التخلف السياسي والحضاري بعيدًا عن مشروعات الاصوليين الاسلاميين والأصوليين العلمانيين على السواء، وهذه الدولة الوطنية الديموقراطية الليبرالية الليبية المسلمة التي ندعو إليها هي امتداد طبيعي لدولة الاتحاد والاستقلال التي أسسها الأباء بقيادة (إدريس السنوسي) وهو رجل مسلم متدين ولكنه مع اسلامه وتدينه كان مسلمًا ليبراليًا غير متطرف ولا متزمت! ... أما حديثك عن الاسلام كذا وكذا فأنت تعرض علينا الاسلام بفهم الأصوليين والسلفيين وهو لا يمثل الفهم العام للمسلمين الليبيين، قلنا لك ألف مرة أن الدول المسلمة منذ العهد الأاموي حتى اليوم لم تكن دول دينية (ثيوقراطية) يحكمها رجال الدين والكنيسة والبابا بل هي دول يحكمها ملوك وسلاطين ويسودها الحكم الجبري ، ومهمتنا اليوم ليس زحزحت هذه الدول عن دينها الاسلام بل تحويلها إلى دول مسلمة ديموقراطية تتمتع بقدر كاف من الليبرالية .... لا توجد دول دينية في زماننا فحتي السعودية ليست دولة دينية!.... الدولة الدينية هي التي يحكمها رجال الدين كما كانت الكنيسة والبابا يحكمون الدول الاوربية" .

قلتٌ: تقول: (( المشكل الآخر، أن فلسفة الحكم الاسلامية تقر بالانقلابات في جزئية الحاكم المتغلب. وتعتبر معارض الحاكم "ولي الأمر" والاختلاف معه في الرأي خروج يستوجب استعمال القوة والعنف لقمعه استناداً لمبدأ السمع والطاعة للأئمة ولأمير المؤمنين حتى الظالم الفاجر منهم!!)) وأقول لك: هذا ليس صحيحًا فهذا فهم القوى السلفية التي تعبد التراث واجتهادات السلف واسلام التاريخ!، ولكن هناك قطاع مسلم كبير يمثل الاغلبية يعتقد أن الأصل في فلسفة الحكم في الاسلام هو الشورى كما جاء في نص القرآن (وأمرهم شورى بينهم) والأصل الآخر رضا جمهور الأمة عن طريق البيعة وليس الحكم الجبري والملك الوراثي العضوض!... وهذه الاصول يمكن تطوير أدواتها وهي متوفرة في النظام الديموقراطي... إذن نأخذ النظام الديموقراطي ونكيفه مع قيمنا وثوابتنا وخصوصياتنا الاسلامية .. هذا هو الفهم الغالب لنظام الحكم لدى عموم المسلمين أما كون السلفيين والاخوان المسلمين يدندنون حول الخلافة الراشدة أو طاعة ولي الأمر المتغلب فذلك فهمهم المرفوض لدى عموم المسلمين..... صحيح أن بعض علماء أهل السنة أقر ولاية المتغلب لكنهم قالوا أن ذلك ليس هو الأصل في الاسلام فالأصل هو الشورى والبيعة العامة التي تمثل رضا الأمة فالحاكم هو خادم للأمة وأجير لديها... لكن لأن المسلمين عجزوا عن ايجاد أدوات واقعية وفعالة لتحقيق الشورى وبيعة الأمة لذا أصبح الأمر يتم إما بالوراثة أو التغلب بالسيف، ولأن الثورات ضد الحكام كان أغلبها ثورات دموية فاشلة منذ ثورة الحسين على الأمويين فإن علماء السلف رفضوا فكرة الثورات واختاروا القبول بحكم المتغلب والوراثة من باب أخف الضررين وليس لأن هذا هو الحكم الأصلي في فلسفة الحكم الاسلامي أما وقد أصبحنا في عصر الدولة الوطنية الديموقراطية فيمكننا اليوم أن نستفيد من هذه الأداة في تحقيق مبدأ الشورى ومبدأ البيعة التي اصبح يتم التعبير عنها بالانتخابات العامة... وأنت تقول ((الاسلام - على سبيل المثال - يُجرم الانتخابات))!!... من قال هذا ؟؟؟ السلفيون؟؟ وهل السلفيون يمثلون أغلب موقف المسلمين؟؟؟ بل هاهم تراهم يتراجعون في فتاويهم تلك وبعضهم أي بعض السلفيين يشارك في الانتخابات بحزب مثل حزب النور في مصر!!... الاسلام أمر بالشورى والعدل وأن يكون الحاكم عبارة عن خادم أجير لدى الأمة يشاورها في الأمر، فالأمة هي صاحبة الأمر وهي من تولي من يشاء على خدمتها ... هكذا ينبغي أن نفهم الاسلام لا بطريقة السلفيين أو أنصار الخليفة والمهدي المنتظر وولاية المرشد والفقيه!.

وأما قولك : (( الدولة الاسلامية في الأندلس كانت علمانية في حقيقتها إذ حوى بلاطها وزراء ومستشارين مسيحيين ويهود. وفي ظل تلك الدولة ازدهرت العلوم وانتشر الفكر البناء والمعارف بكل اشكالها.)) مغالطة أو سوء فهم منك بل كانت دولة العرب المسلمين في الاندلس دولة مسلمة تحكم بالشريعة وتلتزم بالعقيدة الاسلامية ولكنها دولة متسامحة مع بقية الأديان ومع كافة المواطنين ممن لا يدينون بالاسلام وهذا هو النهج الصحيح للدولة المسلمة، وهو ما نقصده بالدولة المسلمة الديموقراطية الليبرالية ، فهي تحترم حقوق المواطنين وخصوصيات الاقليات بالرغم أنها دولة مسلمة أي كحال الدول المسلمة الحالية في الاردن ومصر والمغرب فهي دول مسلمة تتمتع بقدر كبير من الليبرالية ولكن ينقصها الديموقراطية أي في أن يكون الشعب هو من يختار قيادته السياسية من بين عدة خيارات في انتخابات جدية ونزيهة وعادلة .

تقول: (( أنا لا أدافع عن أي دولة أو أمة أخرى، اذ اتفق معك فيما فعله الأسبان بمسلمي الأندلس وما فعلته الكنيسة بحق شعوبها. ما يهمني هم نحن، وأنا أناقش الحل لمعاناتنا وتقهقرنا المضطرد دون سائر الأمم.)) وهذا كلام وشعور جيد ... وهو ما أركز عليه أنا أيضًا مثلك وبعد كل هذه التجارب والمطالعات بات من اليقين أنه اقامة دولة اسلاماوية بطريقة السلفيين أمر غير واقعي كما اقامة دولة علمانية بطريقة العلمانيين المتطرفين في تونس أمر غير واقعي وسينهار سريعاً وسيرفضه واقع مجتمعاتنا... إذن ما هو الحل؟ الحل هو السير على مسارين : الأول تنقيح تراثنا الديني وتصحيح المفاهيم الدينية لدينا وتخليصها من التطرف والغلو ... والثاني السعي على ضخ المزيد من القيم والتطبيقات الديموقراطية والليبرالية في بلداننا ودولنا المسلمة بحيث تصبح هذه البلدان والدول (المسلمة) دولًا ديموقراطية تتمتع بقدر كبير من الليبرالية ولكن ليس إلى حد الليبرالية المتطرفة التي في الغرب والتي تبيح المثلية وزواج المثليين !!... بكل تأكيد ليبراليتنا وديموقراطيتنا ستكون في ظل ثوابتنا وخطوطنا الثقافية الحمراء، وهكذا تفعل كل المجتمعات الديموقراطية ولهذا منعت فرنسا ارتداء الحجاب ومنعت سويسرا بناء المآذن لأنها اعتبرت ذلك يتعارض مع خصوصياتها الثقافية والحضارية (!!) وهكذا سنفعل!، وهذا هو مشروعنا لليبيا فما هو مشروعكم؟؟؟... تحياتي."

************

سليم نصر الرقعي

(*) الحوار جرى في مدونتي على منصة الفيسبوك