تستيقظُ أشعّة الشّمس صباحا يتأرجح بندول الساعة يميناً يساراً . تسير الحافلة في الطُرقات . تُحلّق الطائرة في السماء بين السحابةِ والأخرى .تعجُّ المدينة بِضوضاء العمل .. والباعة المتجولون

أَخرجُ من المنزل بيدي حقيبتي المليئة بسيرتي الذاتية .. كالعادة أركضُ مُسرعاً ؛ لأسّتعدُ لمقابلة وظيفة جديدة .. أُقدّم أوراقي ، أتحدثّ عن نفسي .. أُبذل قُصارى جُهدي ؛ لتنتهي المقابلة .. بـ جيّد .. سنُعاود الإتصال بِك في حال الموافقة على توظيفك .. أبتسم وأُلقي التحية وأعاود الذهاب إلى طريق الشاطئ أستنشِقُ هواءً نقيّاً .. ثُم أعود إلى المنزل أجلس أمام التلفاز أشاهد البرامج وأتقصّى الأخبار ؛ علّني أتلقّى إتصالاً يحمِلُ مُوافقةً على الوظيفة .. 

ما زِلتُ أجهل لِمَاذا لم أجد وظيفة بعد .. ؟!! .. سِجلّ معلوماتي مليئ بالشهادات والحملات التطوّعية .. !! ؛ لرُبّما العيب الخُلقي الذي أُعاني به مُنذ طفولتي . جعلني شخصاً إنطوائياً بعض الشيئ .. 

ما ذنب الإنسان إذا خُلِقَ بِلسانٍ ثقيل !!؟ . يتحدثّ ويقوم بإيصال المعلومة للشخص الذي أمامه بصعوبة ؟! .. لقد تركتُ بيتي ، جيراني ، ذكرياتي في الحيّ لكي أتخلّص من أفواه الآخرين .. ينعتوني بالفتى الأبكم بإستمرار . كان العم سالم دوماً يثرثر .. ذاك الفتى الأبله يظُنّ نفسه سيصبحُ مهندساً وهو لا ينطق بالساعة سوى كلمتين .. 

ومُنذ ذلكَ اليوم قررّتُ بأن أُصبح مهندساً .. وبالفعل تخرّجتُ من كلية الهندسة بتقدير ممتاز .. ولكنني ما زلتُ حتى الآن مُهندس قيدَ التنفيذ .. 

مرّت أسابيع على المقابلة ولم ألتحق بالوظيفة .. اليوم أبلغ من العمر ثمانية وعشرون عاماً . أُضيئ شمعتي وحيداً . أستقبل عامي الجديد أمام المباراة كالعادة .. 


وفي اليوم التالي أتناول حقيبتي وأتوجه إلى مقابلةٍ أخرى .. مُتجهاً إلى الشاطئ بعد الإنتهاء ..