لطالما كانت الشعوب الإسلامية محض إنتباه وفضول للعالم، بداية من طريقتهم في عبادة الله إلى الإخلاص له، اليوم الكثير من الناس منهم عرب ومسلمون وآخرون يتسائلون؛ لماذا الشعوب العربية والمسلمة لاتزال تعيش واقعا محبطا رغم الإسلام الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فهل الواقع الإسلامي اليوم إنطلاقا من دول الخليج إلى دول المغرب العربي يعيش في نور وإزدهار؟ وكيف ساهمت إنجازات علماء المسلمين في الحفاظ على هذا النور داخل نكسات الواقع؟ وكيف يكون الدين رمزا للفخر ومعيارا للقياس للإنجازات العلمية؟ 


قام عدد من العلماء المسلمين بإسهامات عديدة في العلم في مختلف المجالات على فترات متعاقبة من الزمن، كل على حسب اهتماماته سواء كانت علمية تطبيقية أو دينية أو لغوية أو فلسفية أو اجتماعية، فقد قدم ابن سينا "عالم وطبيب مسلم، إشتهر بالطب والفلسفة وإشتغل بهما 1037م" كتاب "القانون في الطب" الذي أضحى مرجعاً أساسياً في الطب لفترات طويلة، كما أن ابن خلدون "مؤسس علم الإجتماع أو علم العمران البشري 1332م" هو أول من تكلم عن علم العمران، ويعد من علماء التاريخ والاقتصاد، أما ابن الهيثم "عالم موسوعي مسلم قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك البصري والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي، وله العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث 1040م" ويعتبر المؤسس الأول لعلم المناظر ومن رواد المنهج العلمي، كما عرض الخوارزمي "يعد من أوائل علماء المسلمين في الرياضيات، ترك العديد من المؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا وغيرها، 780م" في كتابه حساب الجبر والمقابلة أول حل منهجي للمعادلات الخطية والتربيعية، ويعد مؤسس علم الجبر، كما برز الإدريسي "أحد كبار الجغرافيين في التاريخ ومؤسسي علم الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ والأدب والشعر والنبات ودرس الفلسفة والطب والنجوم في قرطبة 1160م"، كما أن مكانة ابن رشد "فيلسوف، وطبيب، وفقيه، وقاضي، وفلكي، وفيزيائي 1126م" مكانة مهمة في ساحة العلماء المسلمين، ولا يمكننا أن ننسى أبو نصر محمد الفرابي الذي اشتهر بإتقان العلوم الحكمية، وكانت اهتماماته الرئيسية في علوم ما وراء الطبيعة، وفي الفلسفة السياسة، المنطق، الموسيقى، الأخلاق، ونظرية المعرفة 950م" ولا يمكننا أن ننسى الشهير يعقوب ابن إسحاق الكندي الذي "برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق، ويعد أول الفلاسفة المتجولين المسلمين كإبن بطوطة، كما اشتهر بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلنستية 805م" وقد برز غيرهم الكثير اللذين تمت ترجمة مؤلفاتهم إلى اللاتينية واللغات الأجنبية الأخرى، وقد كان هنالك من هم رعاة للعلم والعلماء من الخلفاء منهم هارون الرشيد وأبو العباس عبد الله المأمون والذي يعد نفسه عالماً والمعتصم بالله، وغيرهم من الذين كرسوا حياتهم من أجل التعلم والمعرفة.


بالطبع، فهذه ليست جميع قائمة علماء المسلمين، بل هي قائمة لأهم الأسماء المشهورين داخل المجتمعات العربية، وهناك الكثير من العلماء عموما لم يسعفهم التاريخ والظروف في بروز أسمائهم في أوائل صفوف العلماء المشهورين، وبالعودة إلى سبيل الموضوع، لايمكننا أن نتجاوز أهم مراكز علماء دين الإسلام؛ كالبخاري الذي من أهم كتبه هو "صحيح البخاري" هو أصح كتب الحديث النبوي 870م صاحب كتاب "الجامع الصحيح"، ومسلم الذي كتب "صحيح مسلم" أحد أهم كتب الحديث النبوي، وقد أخذ في تأليفه جمعه وتصنيفه خمسة عشرة سنة 822 - 875م، وهو مصنف كتاب صحيح مسلم الذي يعد ثاني أصح كتب الحديث بعد صحيح البخاري.


- الواقع الإسلامي بين الأمس واليوم - 


لاشك أن الواقع يتغير حسب كل جيل ومتطلباته الوجودية، فالواقع الإسلامي هو واقع مختلف جدا من حيث كل شيء تقريبا مقارنة بالأمس، الإشكال النقدي الذي يطرح كثيرا وربما قد يقودنا إلى الجدال في سياق آخر هو؛ متى كان الواقع الإسلامي مزدهرا مرة حتى أن يكون كذلك الآن؟ إن كانت الدنيا سجنا للمؤمن وجنة للكافر فإزدهار الواقع الإسلامي لن يكون أبدا حتى يفهم المؤمن أن الدنيا حياة جميلة والآخرة ليست سوى حياة رائعة أيضا، ربما كان على الدين الإسلامي أن يتكيف مع كل عصر ومع كل جيل وفكر، لكنه إتخذ طريق الأولين وبالتالي إصطدم بصخرة الواقع، وبين هذا الشق - التطور المادي والنقص الروحي - حدث تسرب عميق إلى العقلية المسلمة، وأحدهم هو؛ لماذا يوجد الظلم مع أن الله موجود؟ التساؤل حول جدية الدين الإسلامي، ومع إجتياح الفلسفة والثقافة الغربية العالم الإسلامي، ظهر ضعف المناعة الإيمانية التي أدت من ثم إلى البحث عن البديل/السلاح، لردع ما يمكن ردعه من أفكار تشكل خطرا نوعا ما على الإيمان وعلى الدين عموما.


مع إنهيار الإمبراطورية العثمانية والحروب التي تحدث في الشرق الأوسط وتأخر الشعوب المسلمة للالتحاق بالتاريخ وتمثيل الإسلام لقواعد إرهابية مثل داعش وطالبان.. الخ، كل هذه الأسباب وغيرها ساهمت بشكل مباشر أو بآخر في فشل الإسلام بإخراج الناس من الظلمات إلى النور.


- كيف ساهمت الإنجازات علماء المسلمون في إظهار أن الإسلام كدين سماوي يدعوا إلى الوسطية والاعتدال؟ -


رغم النكسة التي أصابت المسلمين في عدة ميادين حيوية، إلا أنه لايمكننا الإنكار أن الكثير من العلماء المسلمين الذين ذكرناهم أعلاه وغيرهم ساهموا بشكل فعلي بإنجازاتهم العظيمة في دفع العجلة البشرية إلى الأمام، بالطبع فالمقصود هنا لكي لايذهب القارئ مع التفكير الشعبوي، هو أن جميع إنجازات العلماء سواء كانوا متدينون أو لادينيون، فهذا لايعني أن وجود الدين أو عدمه هو من ساعدهم في إنجازاتهم بصفة حسية، أو ما صنعوه يعتبر منتوجا يسوق به من خلال ديانتهم أو طائفتهم التي ينتمون إليها، بل تعتبر إنجازات العلماء إكتشافا عظيما لكن داخل النطاق المدروس فقط، وربما قد تندمج بين مجالات عدة لكن ذلك لايحدث غالبا ولا علاقته بالدين، سواء كانت أو لا، فالدين يجب أن يكون بالنسبة للعلماء المتدينون موقفا شخصيا، وليس عليهم أن يكونوا دعاة أو مسوقون للمنتوجات، فذلك عمل الشيوخ والرهبان، أما العلماء عليهم أن يكونوا قدوة وأبطال خارقون للبشرية، لأن لهم القدرة على الاختراع والإبداع والتنظيم..


- كيف يصبح الدين رمزا للفخر على ظهر الإنجازات العلمية - 


ربما النقص النظري الذي يعاني منه المسلمين من حيث إتباع التفكير والمنهج العلمي قد يقود إلى الاعتقاد أن العلماء المسلمين وإنجازاتهم يمثلون الإسلام كدين والثقافة العربية كأمة وهم رمز للفخر والجلال بالنسبة للمسلمين، حيث يقول اليمين المتطرف مؤخرا؛ "كيف تخلينا على علمائنا المسلمين وإنجازاتهم العلمية ولجأنا إلى المعتقدات الغربية الإباحية"، المشكلة ليست في الافتخار فعليا رغم أنها عقدة ثقافية شعبية يجب أن تعقم، لكن المشكلة في إيجاد البديل وفي فجوة الماضي وفي الخوف من المستقبل والإحباط الذي يعيشه المسلمين الآن من تلاوي خيبات الأمل والهروب إلى الافتخار بالتخلف وبالخسارة التاريخية. 


- وجهة نظر في كيف يعالج المسلمين بعيدا عن الإسلام الأزمات الوجودية -


إن إيجاد حل لمشكلة كبيرة معينة هو في حد ذاته إيجاد جميع الحلول للمشاكل الصغيرة، فالقضاء على الفقر أو على التخلف الحضاري مثلا، هو قضاء على نوع من سرطانات المجتمع، وبالتالي فالشفاء أو العلاج سيلي شيئا فشيئا جميع المجالات الإجتماعية من مؤسسات حكومية أو غيرها، نفس الشيء الذي أريد قوله من خلال هذا المثل لجميع المسلمين، قد يبدو معظمهم يعالجون الأزمات الوجودية عبر الهروب إلى التدخين وإستهلاك المخدرات وإلى الهروب إلى الماضي والتمسك بالهوية والتاريخ، ولعل من أسباب هذه النتائج هو؛ قصور وعي الإنسان بقيمته، وضعف التعليم ومستوى الثقافة والتنوير، وربما المسلمين عليهم قراءة أنفسهم قبل قراءة القرآن، وتحديث عقولهم قبل تحديث هواتفهم، والانفتاح على باقي ثقافات العالم ورؤيته كم هو نسبي ومدهش، من أجل السير قدما أو التسابق مع وتيرة العالم لابد من تنازلات مؤلمة حسية. 


إذن، كيف يحمل الإنسان المسلم لقب مسلم وهو لاينطبق عليه الإسلام كدين وكسلوك ؟