حينما يتخلخل النموذج الإرشادي الذي يؤمن به العلماء على إثر نظرية ثورية جديدة لم يعهدها العلم من قبل، يفقد العلماء الثقة في العلم التجريبي ككل ويبدو لهم العالم -باعتبار العلم منظارا له- غريبا وغامضا وغير قابل للضبط. نقل توماس كون حالة الشك التي أصابت ولفغانغ بولي العالم الفيزيائي الشهير مع بدايات ثورة ميكانيكا الكم حيث قال:

"إن علم الفيزياء في هذه اللحظة مشوش بصورة مرعبة، وعلى أي حال، لقد كان الأمر صعبا علي إلى حد كبير ، حتى أنني تمنيت لو أنني كنت ممثلا سينمائيا هزليا أو ماهو من هذا القبيل ولم أسمع في حياتي عن علم الفيزياء" .

يحاجج توماس كون في كتابه الثوري هذا بأن العلم لا يسير -كما هو شائع- بطريقة خطية وتراكمية، ولكن التقدم العلمي هو حصيلة انقطاعات وثورات

تحدث للنماذج الارشادية، فيُهدم نموذج إرشادي قديم ويحل محله نموج إرشادي جديد.

النموذج الإرشادي أو البرادايم بحسب توماس كون هو مجموعة من القواعد والقوانين والنظريات التي تضبط طرق البحث لدى العلماء وتتحكم بنتائجهم، فالبرادايم بمثابة الإطار المعرفي الذي ينضوي تحته العلماء. هذه البرادايمات تختل أحيانا على إثر أزمات ومشكلات لا يجد العلماء حلا معها من هنا تبزغ نظريات جديدة تخالف البرادايم القديم وتمهد لظهور برادايم جديد يعد بحل أكبر قدر من المشكلات.

العلم بحسب كُون إذن ليس حقلا محايدا وموضوعيا بل هو يشابه العلوم الإنسانية الأخرى من حيث اعتماده على نماذج معرفية تتحكم بعقلية العلماء توجههم، فللعلم تقاليده الخاصة التي يعمل من خلالها. كذلك ينقض كون فكرة أن العالِم باحثٌ موضوعي يسير في فضاء مفتوح ومتجرد نحو الحقيقة، بل هو خاضع لبرادايم محدد يحاول من خلاله جر الواقع ليتطابق مع هذا البرادايم، فالعلماء كما يقرر توماس كون يدفعون الطبيعة قسرا لتتوافق مع نموذجهم الارشادي!

تنبع أهمية هذه الأطورحة من أن توماس كون سلط الضوء على الجانب اللاعقلاني في العلم، فالعلم في أحد جوانبه يشبه الأيدلوجيا، خصوصا في زمن الثورات العلمية حين يبزغ نموذج جديد يؤمن به ثلة من العلماء ويعارضه آخرون متمسكين بنموذجهم القديم، يورد توماس كون أمثة كثيرة على مثل هذه الصراعات التي تنتهي بانتصار نموذج على آخر. ترفض أطروحة كون التأليه الحاصل للعلم والنظر إلى نتائجه كحقائق مطلقة وإلى العلماء كباحثين عن الحقيقة . لكن مع ذلك يقر كون بأن المنهج العلمي أدق من غيره وأنه يتطور بشكل أوضح من المجالات الأخرى وذلك لاعتبارات كثيرة لخصها كون في فصله الأخير من الكتاب .