المتابع لحيثيات السياسة الاقتصادية يمكنه أن يستنتج بسهولة أن المطلوب من الجزائريين توقع عيش أوقات صعبة مستقبلا في سنوات عجاف. فبعد أحمد أويحيى وعبد المالك سلال على التوالي رئيس الديوان برئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء، هاهو بدوره وزير التجارة بختي بلعايب يدق ناقوس الخطر. الظاهر أن الحكومة بصدد إعادة تقييم سياسة الدعم حسب ما أكده قبل العيد الوزير على موجات الأثير من الإذاعة الوطنية. بختي بلعايب أعلن أن "الحكومة تدرس اقتراحات لاستهداف بعض الإعانات" دون اعطاء المزيد من التفاصيل.
صحوة متأخرة
هل هذا يمثل أحد مظاهر الذعر على متن الباخرة أو هي ببساطة العودة إلى الواقع بعد سنوات من التبذير والتضييع؟ على أي حال، فقد لاحظ الجزائريون في الأيام الأخيرة أن الحكومة قد غيرت لهجتها. بعد أن كانت مُطمئِنةً بشكل مفرط في بداية الأزمة، الحكومة تستيقظ وتذكر الجزائريين ببعض الحقائق عن التبذير ، ونقص الانتاجية والبيروقراطية،الخ. من جهة أخرى يتجاهل الخطاب تماما مسؤولية الحكومة في خلق الأزمة. مع ذلك، فإن الحكومة تبقى هي المسؤول الأول معنويا وسياسيا ودستوريا عن إدارة المال العام. لأن السلطة التنفيذية تنفرد بتقرير الميزانية والنفقات وإدارة الاقتصاد الوطني.
الاصغاء والاتصال للأسف لم يكونا أبدا من نقاط قوة الحكومات المتعاقبة على مدى العقدين الماضيين. أذكر أن رئيس الوزراء و قد كان في وقت سابق مدير الحملة الانتخابية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في عام 2014، قام بتوزيع 1300 مليار دينار في أعقاب زيارات ما يسمى "التفتيش" في عدة ولايات قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وكان عبد المالك سلال قد قاد الحملة إلى النهاية على الرغم من انتقاد الطبقة السياسية وتحذيرات الاقتصاديين. قامت الحكومة حينها بتوزيع الميزانية كما توزع الهدايا. ذهب السيد سلال إلى أبعد من ذلك، مشيرا إلى أن الشباب يمكن أن يتزوج بمال الأنساج. تصريحات غير مسؤولة من مسؤول سياسي.
قرارات غير مسؤولة
الحقيقة الأخرى المسكوت عنها من طرف الحكومة اليوم تتعلق بزيادة الأجور. فضد نصيحة معظم أرباب العمل وكثير من الاقتصاديين، قررت السلطة التنفيذية زيادة الرواتب بأثر رجعي. الحكومة أدركت بعد سنوات أنه ليس لهاته الزيادة أي تأثير إيجابي على الإنتاجية والجزائريين. وبالعكس جلبت زيادة الأجور معها فقط التضخم وتسببت في ارتفاع الاستهلاك وبالتالي الواردات. و اليوم قد مُحي أي تأثير لزيادة الأجور بسبب التضخم وانخفاض قيمة الدينار. و لكنها بالمقابل تركت بصماتها السلبية على الاقتصاد. و الظاهر أن عبقرية الحكومة تتمخض مجدداً عن حل سحري آخر للخروج من الأزمة وهو أنه لا بد لنا من “ثورة في الذهنيات" لدى المواطنين والإداريين والمديرين. لكن كم يلزم الجزائريين من الوقت للتخلص من ثقافة الاعتماد على مساعدة الدولة التي نماها النظام السياسي لعقود طويلة؟
يجد النظام نفسها محاصرا بخططه ومبادراته (السكن الاجتماعي المجاني، انساج، مازوت رخيص وما إلى ذلك). الحكومة تريد الانتقال إلى مرحلة أخرى ولكن قد لا يُسمع صوتها. السكن المجاني، الأنساج ومختلف أنواع الدعم و الاعانات صارت معلما في نمط حياة الجزائريين. وينظر إليها على أنها حقوق غير قابلة للتفاوض. بالنسبة للمواطن، الضرر الأعمق يأتي من الرشوة و الفساد حيث اختفت الملايير في الفضائح الاقتصادية للمسؤولين.