تلك الزهرة اليانعة !!... ظهرت فجأةً في الربيع في تلك الحديقة الغامضة التي تحيط بها الأسوار من كل مكان!، فأبهرت الأبصار وألهبت مشاعر الناس وأذهلت عقولهم واقبلوا عليها ينظرون إليها في ذهول وإعجاب!..... كانت جميلة بالفعل بل وفريدة!... ولكن هل تكفي كلمة جميلة لوصف حسنها المذهل؟؟..... هناك أمور حسية ومشاعر نفسية لا يمكن للكلمات أن تُعبرَ عنها أو تستوعبها فهي أكبر من كل اللغات!!.

كان في بداية الأمر حاله كحال أغلب الناس مأخوذا ً بجمالها الساحر، فكلما مر بجوار تلك الحديقة التي ظهرت فيها لأول مرة يُلقي عليها نظرة إعجاب بجمالها ثم يمضي في حال سبيله !!!.... لكنه وبعد عدة أسابيع اكتشف أنه أصبح مأسورا ً لجمالها وأنها بدأتْ تتحول إلى مركز وجوده واهتمامه فلا ينام إلا بالتفكر فيها ولا يصحو إلا على ذكرها والإسراع للوقوف على سور الحديقة لعدة ساعات دون أن يروي غليله منها ولا يكتفي من الاستمتاع بالنظر إلى جمالها الآسر!............ فكّر عدة مرات أن يقتحم سور الحديقة ليقترب منها أكثر ويحاول لمسها ليتأكد أخيال هي أم حقيقة؟؟.... لكن كانت تلك اللافتة المحذرة التي تصرخ (ممنوع الاقتراب !!) تثير الذعر في قلبه فتعمل كما لو أنها كوابح سيارة!.

لكن مع طول الليالي لم يعد شوقه لتلك الوردة الرائعة الفريدة يُطاق!، وأصبح شوقه إليها أكبر من قوة مكابح الخوف!!...... فقرر أن يتسوَّر سُور الحديقة ويقتحمها مهما كان الثمن!... كان يحتاج أن يلمس بيده تلك الزهرة ليثبت لنفسه وقلبه بأنها حقيقة ملموسة، فضلًا عن كان بتلك اللمسة يريد أن يعبر لها عن مدى حبه لها وشغفه بها!!.......... وبالفعل في إحدى الليالي - وفي الظلام والناس نيام – استجمع كل شجاعته وكل عشقه وانطلق نحو الحديقة!!.......... تسوَّر السُّور وقفز داخل الحديقة بخفة النمر، ورأى وردته الحبيبة هناك بكامل حسنها يقظة لا تعرف النوم كحال بقية الزهور!!...... اقترب أكثر منها ورعشة العشق تسري في كل كيانه ولكنه عندما مد يده ولمسها كانت المفاجئة أو الفاجعة الصادمة!... سَحَبَ يده بسرعة كما لو أنه تعرض لصعقة تيار كهربي أو لدغة عقرب !!... إنها ليست وردة حقيقية طبيعية!!... إنها مصنوعة من القماش!!.... فشعر وكأنما كل أحلامه قد انهارت خلال لحظات أمام عينيه هنا أمام هذا الوهم الكبير !!!؟؟... عاد أدراجه لبيته وهو يجر أذيال الخيبة ويتجرع مرارة الحقيقة المؤلمة!.. ومنذ تلك الليلة لم يعد يمر  من ذلك الطريق الذي يمر بجوار تلك الحديقة!.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

سليم نصر الرقعي