علق أحد الأصدقاء الأكارم على مقالتي عن المعتزلة وقولهم بخلق القرآن ورد خصومهم عليهم بالضد والقول بعدم خلق القرآن!، حيث أنني رأيت أن كلا من الموقفين غير صحيح اذا أراد كل فريق منهما اعتبار موقفه هو الدين الصحيح في هذه المسألة، وقلت أن المطلوب الديني هنا هو الإقرار بأن ((القرآن كلام الله)) وكفى! ، لا نقول (مخلوق) كما قالت المعتزلة ولا نقول (غير مخلوق) كما قالت الحنابلة (*) ، فقال الصديق:

"الكلام صفة كمال تضاف لصفات كمال الله سبحانه، والقول بان القرآن كلام الله فقط لايكفي لرد بدعة المعتزلة بالقول بخلق القرآن، وعلى ذلك ذهب أهل الحديث الى اضافة وهو غير مخلوق لكي لايتنافى مع مطلق كمال الله في التنزيه"

فقلت: "لو كنت معتزليا أو أرى جدوى من هذه المسألة فسأرد عليك بالقول: نعم الكلام صفة من صفات الله، ولأن الله بلغة الفلاسفة (قديم) أي (أزلي) لا بداية له، فإن صفاته ايضا قديمة أزلية غير حادثة، فكما انه يسمع ويرى فإنه يتكلم، هذه صفة للرحمن كما هي صفة للانسان، فالله متكلم، اي يملك القدرة على الكلام متى شاء أين شاء، ويقول ما يشاء لمن يشاء من كلمات بأية لغة شاء، هذا هو معنى ان الله متكلم، ولكن ما هو الكلام الذي صدر عن هذا المتكلم ومتى!؟؟ .... التوراة كلام الله وهو حدث في عهد موسى حينما انزل الله عليه الألواح بل وكلم الله موسى تكليما بكلمات محددة حادثة قال له: الق بعصاك فإذا هي ثعبان مبين، وقال له: اذهب الى فرعون فإنه طغى!... والانجيل كلام الله حدث في عهد عيسى، والقرآن كلام الله حدث في عهد محمد وكان ينزل منجما على مكث حسب الاحداث التي تحدث!، اذن، فالكلام كصفة وقدرة لله هو أمر قديم وليس بمخلوق ولا حادث، ولكن ((كلمات الله)) ومنها القرآن هي أمور حادثة لأنها مرتبطة بزمان محدد واحداث محددة مثل كلام الله وحديثه عن غزوة بدر ومثل تتبيبه ليدا ابي لهب، وحديثه عن حادث الأفك وفتح مكة وتبديل القبلة وتحريمه للخمر.... الخ ... فكلها احاديث الهية وكلمات قرآنية هي من كلام الله حدثت وفق احداث زمنية حادثة، وكلام الله فيها وعنها حادث بحدوثها" ..... هكذا يمكنني أن اجيب عليك لو كنت معتزليا يؤمن بأهمية هذا الموضوع أو ممن يميلون لعرض عقائد الاسلام الأساسية بهذه الكيفية الفلسفية الجدلية، ولكنني أرى ان كل هذا الجدل هو من اللغو السفسطي العقيم الذي أوقع فيه فلاسفة المسيحيين العرب فلاسفة المسلمين حينما قالوا لهم ان عيسى (كلمة الله)، وكلام الله قديم غير مخلوق، اذن فالمسيح قديم والقديم إله!، اذن فعيسى كلمة الله اله!!، هكذا اعتمد فلاسفة المسيحيين على هذه الحجة أي الاعتقاد بأن كلام الله غير مخلوق، لإثبات ألوهية المسيح، فأراد المعتزلة نفي صفة القدم عن ((كلمات الله)) عبر الزمن لا نفي قدم قدرته على الكلام لأن القول بأن القرآن غير مخلوق عندهم يعني أنه قديم وبالتالي يعني تعدد القدماء وتعدد القدماء شرك!، وتشددوا في هذا الرأي الفلسفي وارادوا فرضه بقوة السلطان كعقيدة دينية اسلامية ضمن عقائد التوحيد، فتصدى لهم أهل الحديث وعلى رأسهم الإمام احمد لكنهم في غمرة تصديهم لقول المعتزلة بخلق القرآن وقعوا في بدعة مثلها بالزعم أن القرآن غير مخلوق!، وكلاهما قول محدث مبتدع في الاسلام!!.... لهذا الموقف الشرعي والسلفي الصحيح في تقديري هو موقف الامام مالك ،((أمروها كما جاءت)) أي لا تخوضوا فيها، فنقول: ((القرآن هو كلام الله)) وحسب ولا نزيد، لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق، اذ أن فرض هذا الأمر أو ذاك كعقيدة من الدين وتحفيظها للمسلمين هو بلا شك ابتداع في الدين.... أما اذا اراد المعتزلة والحنابلة الغوص في هذه القضية في ((ميدان الجدل الفلسفي واللغو السفسطي))، فهم وشأنهم اذا تم وضع هذا الجدل في ميدان الفلسفة وعلم الكلام، وليس في ميدان العقائد الدينية الاسلامية الواجبة التي لا يصح دين المسلم الا بها، اذ لا يصح فرض وجهة نظر هذا الفريق أو ذاك كعقيدة اساسية ضمن عقائد المسلمين الثابتة بالقرآن والسنة الصحيحة، فالقول بأن (القرآن مخلوق) عقيدة اضافية للدين!، وكذلك القول بأن (القرآن غير مخلوق) هي عقيدة اضافية للدين خصوصاً أن الطرفين يدرجانها ضمن العقائد التي يلقنونها لأتباعهم جيلاً بعد جيل على انها هي الدين الحق!!!، وهذه هي المشكلة!".

سليم نصر الرقعي

(*) المقصود ب(الحنابلة) هنا ليس اتباع الامام ابن حنبل في طريقته في الفقه ومذهبه الفقهي بل في طريقته لتلقي واثبات العقيدة، حيث أن الحنابلة هم إمتداد ل(أهل الحديث والنقل الاثريين) الذين تطور اسمهم لاحقاً إلى ما بات يعرف في زماننا ب(السلفيين).