----(( موقفي الخاص))----

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

مسألة التأمل في طبيعة القرآن وهل هو محدث أو قديم؟ مخلوق أم غير مخلوق!؟ مسألة لا علاقة لها بالدين، بل هي مسألة فلسفية تخضع للجدل الفلسفي، ولكن مشكلة المعتزلة أنهم جعلوها جزءا لا يتجزأ من العقيدة الاسلامية (!!؟؟) وأن من لا يقر بها فهو مشرك!!، ومما زاد الطين بلة هو أنهم تمكنوا في عهد الخليفة العباسي (المأمون) من أن يقنعوا الخليفة بضرورة الدفاع عن هذه العقيدة الفلسفية على أنها جزء أساسي من العقيدة الاسلامية!، فبالنسبة لهم كل من لا يقر أن القرآن مخلوق ومحدث فإن هذا يعني أنه قديم!، أي أنه أزلي وهو بالتالي يشارك الله في صفة القدم وبالتالي فهذا عندهم شرك بالله!، فالمعتزلة حالهم حال الخوارج كانوا متدينين جدا يحبون الاسلام ولكنهم تطرفوا وانحرفوا في طريقتهم للدفاع عن دين الله كحال بعض أصناف السلفيين الوهابيين في زماننا!... ولهذا حينما اصبح المعتزلة يتمتعون بنصرة الدولة فإنهم حاولوا فرض مذهبهم الكلامي الفلسفي الاسلامي على الناس وتحويله الى مذهب رسمي للدولة المسلمة!، ولكن الإمام احمد ومن معه تصدوا لهذا الاتجاه الخطير المتمثل في خلط الدين بالفلسفة واختراع عقائد جعلها المعتزلة من ضمن العقائد الاساسية للدين!.

لقد كانت محاولة فرض عقيدة المعتزلة بخلق القرآن وادراجها في العقائد الدينية التي لا يصح اسلام المرء الا بها خطأ كبيرا من أخطاء المعتزلة القاتلة!، ولكن في المقابل فإن الفريق الآخر الذي عارضهم وهم (أهل الحديث)(مدرسة الأثر والنقل) الذين اصبحوا يعرفون لاحقا بالحنابلة ثم السلفيين تطرفوا وتورطوا في الغلو ايضا في غمرة مقاومتهم لمدرسة الرأي والعقل التي تمثلت في المعتزلة، فالكثير منهم كرد فعل على عقيدة المعتزلة بخلق القرآن اصبحوا يقولون: (القرآن كلام الله غير مخلوق!!)، وهو رد على الخطأ بخطأ مثله!، وكان من المفترض - وحسب منهجهم النقلي الاثري الاتباعي - الاكتفاء بقول أن ((القرآن كلام الله)) وكفى!، ولا يزيدون بالابتداع والادعاء بأنه ((غير مخلوق))!، فالقول بأن القرآن غير مخلوق كالقول بأن القرآن مخلوق كلاهما قول مبتدع في الدين!.. ولو طرح المعتزلة هذه المسألة ضمن ما يمكن أن نطلق عليه اسم ((الفلسفة الاسلامية)) كوجهات نظر عقلية جدلية فلسفية، لكان ذلك مقبولا في ميدان علم الفلسفة، ولكن مشكلتهم أنهم عرضوها كقضية دينية بل وعقيدة من عقائد الدين الأساسية التي لا يصح اسلام وتوحيد المرء الا بالاقرار بها وإلا فهو مشرك!، وهذا هو الخطأ القاتل والخلل الكبير الذي وقعوا فيه فضلا عن محاولة فرض هذه العقيدة الفلسفية على الناس بقوة السلطان والاستقواء بالدولة!!.

سليم نصر الرقعي