(تأملات رمضانية)

شد انتباهي اليوم في صلاة التراويح قوله تعالى لنبيه: ((ولا تكن للخائنين خصيما)) في اﻵية التالية: { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} وحسبت ان (الخصيم) هو (الخصم)!، لهذا التبس الفهم عندي لأن الرسول وكل مؤمن ينبغي ان يكون للخائنين خصما، فكيف ينهانا الله عن مخاصمة أهل الخيانة!، والخصومة تتكون من خصمين اي طرفين نزاع او أكثر من طرف، فهم خصوم، لكن بالبحث في معاني اللغة والتفاسير وجدت ان مفهوم (الخصم) غير مفهوم (الخصيم)!، فالخصم هو احد اطراف الخصومة، بينما (الخصيم) هو من يدافع ويجادل عن احد الخصوم المختصمين في مسالة ما، ف(الخصيم) في لغة العرب والقرآن، هو أشبه ب(محامي الدفاع) في زماننا اي من يدافع عن احد الخصوم بالحق او بالباطل!، وهكذا استقام المعنى في ذهني في فهم قوله تعالى لنبيه ((ولا تكن للخائنين خصيما)) اي لا تكون مدافعا ومجادلا عن هؤلاء الخائنين! ....

ومن فوائد هذه الآية انه لا يصح لمن يعمل في المحاماة ان يدافع عن خصم في قضية يعلم أنه هو الطرف الخائن او الظالم والمعتدي.

وقيل ان سبب نزول هذه الآية أن عائلة من المسلمين من الانصار سرقوا شيئا من عائلة مسلمة أخرى، ثم حينما انكشف امرهم ارادوا ان يلبسوا تهمة السرقة لرجل يهودي!، وكان أحد اقرباء العائلة السارقة من كبار الانصار وكان قوي البيان، فيبدو أنه اقنع النبي، عن طريق المحاججة ولحن القول، ببراءة تلك العائلة المسلمة السارقة!، ولأن النبي بشر لا يعلم الغيب، ولأنه يقضي حينما يقضي بحسب ما توفر له من معلومات وأدلة وشواهد وشهود فإنه قد لا يصيب (العدل الموضوعي) كما في علم الله حتى لو التزم اجراءات العدالة في الحكم حسب الظاهر!(*)، فنزلت هذه الآية تفضح هؤلاء الخونة الظلمة من المسلمين، اي من سرق ومن دافع عنهم وتبرئ ساحة هذا اليهودي!، وهذا هو مفهوم عصمة النبي وهو أنه حينما يخطيء في حكم فقهي أو حكم قضائي او تصرف سياسي، فإن الوحي ينزل لتصويبه وهدايته للحق والصواب!، والله أعلم!.

أخوكم المحب سليم نصر الرقعي

(*) جاء في حديث متفق عليه أن النبي قَالَ: ((إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)).