ليبيا: توقف وانسداد ومأزق توافقي
يبدو لي أن تجاربنا من مختلف مشاربنا السياسية والمرجعية الفكرية وتياراتنا المهنية لم تأهلنا لنستطيع أن تأتوا بمبادرات في ملتقى جامع تجنبتا المزيد من الانقسامات في شرائح المجتمع الليبي ووقف نزيف الحرب الأهلية التي أحرقت الأخضر واليابس.
نتحدث اليوم على القوات العسكرية المتقدمة من الشرق إلى الغرب الليبي التي تمركزت على مشارف العاصمة الليبية طرابلس ونقول أن لو لا لم يتم تقدم القوات العسكرية للمواجهة لما حصل ما حصل وصففنا جميعا حول مبادرة السيد غسان سلامة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا في ملتقى الوطني الجامع.
لكن يبدوا أن السفن لم تكن متجهة كما رسم لها نحو الملتقى الوطني الجامع بالمبادرة الأممية في مضمونها بثلاث بمراحل تعمل على عبور الدولة الليبية وتيسير حالة الاستقرار لنرى في ذالك نصرا وعزا بعد ذلك التشرذم.
كان من الممكن أن تسري الأمور على نحو مختلف من حرب على الإرهاب والتطرف وحرب مضادة مدافعة على العاصمة الليبية طرابلس بدون ضرر الوكالة في جلب القوى الخارجية على شهور مضطربة من الدراما التصعيد السياسي في ليبيا.
بما تعلن العبارات وتستنكر الحرب على العاصمة طرابلس التي تحسب قائمة على وجهات نظر بعض الشخصيات الليبية تنظر إليها الآن لنستنتج بأنها كانت غير ضرورية إما عن نتائجها المرغوبة، حتى لو جرت الأمور بما يشتهيه البعض الآخر من المعادلة السياسية.
وليبيا بحاجة إلى الإصلاح من الفاسد المستشري في حلبة الصراع السياسي وهذه الحاجة ضرورة من حرب ليس عليهم بل تكن في طرابلس ومصراتة وبنغازي وطبرق ومدن أخرى من تفعيل الإصلاح الذي تسبب في ضياع الوقت والجهد المسبب الأزمة الليبية من بعد الثورة الشعبية الليبية.
وللأسف، فإن المجال الذي متبعا لحل سياسي قد ضاع بسبب إصرار القوى السياسية الليبية المسيطرة باسم الدين واصطفاف واضح إلى الجانب القوى الخارجية التي تدعم طبقة الفاسد المالي والسياسي والأخلاقي التي أصبحت اليوم القوى المهيمنة على الساحة السياسية.
مقدرات الوطن لم تعد أغنية يتغنى بها الشعب الليبي بل أصبحت حكاية وحدوثه في مسلسل صراع الطبقة السياسية الليبية التي تكتب في صفحات التاريخ الليبي المعاصر وفي ألواح مدرسية بلغات مختلفة أن الشعب الليبي غني بمقدراته النفطية وفقير بدون الاستفادة منها وكذب الطغاة على شعوبهم بامتلاكها.
مراجعة موجزة لقد فأجي الجنرال خليفة حفتر العالم اجمع بقدومه العاصمة الليبية طرابلس وتقد الجناح العسكري من المنطقة الشرقية ووضع مسؤولين طرابلس موضع تساؤل بما يمكن أن يفعله رجل عسكري طامع في السلطة والانفراد بالحكم.
ومن خلال رغبته باستبدال العمل السياسي الديمقراطي السلمي المدني إلى نظام شمولي عسكري عاهده الشعب الليبي في الحقبة السياسية الماضية في ظاهرها تبريرات الحرص على الكراسي والمناصب السيادية الليبية التي لم تقبل بشرعية دستورية يخول لها البقاء والديمومة.
لقد ترك أمور الدولة الليبية في حيرة من أمرها، خصوصا ملفات الأمنية والاقتصادية والهجرة الغير شرعية إلى حلة لا تحمد عقباها من قتلى وجرحى ومعاقين وأيتام وأرامل ونازحين عن الديار الليبية لتصرف الدولة الأموال مجددا في السلاح والعتاد لأجل حرب أهلية فاشلة.
من هم هؤلاء التكنوقراط الليبيون الذين سيختارهم الشعب الليبي إدارة الدولة الليبية الحديثة وفصل إدارة الدولة عن إدارة الجيش الليبي المسلح بالأسلحة والعتاد المسلح لحماية الحدود الليبية من المطامع الخارجية، قيادة دون استشارة الدستور الليبي في وضعهم السيادي.
وقف إلية البرلمان الليبي الذي يعمل من خلال مجلس النواب ومجلس الدولة لصبح معنا جسم سيادي ثالث يعمل في العاصمة الليبية تحت مسمى مجلس النواب الجديد الذي اعتمد وجوده من بعض بقائه البرلمان الشرعي الكائن في المنطقة الشرقية.
كما أن الحكومة الليبية أصبحت حكومتين احدهما معترف بها دوليا لتكون حكومة الوفاق الوطني المتواجدة في غرب البلاد والأخرى الحكومة المؤقتة في شرق البلاد المعتمدة من المجلس النواب الليبي في المنقطة الشرقية.
والى جانب البلاد في حالة حرب أهلية داخلية تعتبر الحرب الأهلية الثالثة من بعد أزالت النظام الجماهيرية العربية الليبية من عام 2011 بفعل الربيع العربي الذي اجتاح الدول العربية من مشرقها غالى مقربها منادية بالتحرر ظلم الجور والتعسف.
حزمة الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجديدة لا تدار بالحرب الأهلية وهذا يحتاج إلى المرجعية الدستورية صادقة في تبني الدستور الدائم للدولة الليبية من مشرع قد اجل إلى سنوات عجاف لتقوم على طرابلس وليس في طرابلس الحرب التي لا مبرر لها إلا القضاء على إرهاب والتطرف البغيض.
من لديه حزمة إصلاحات جديدة كان من وجبه أن يعمل على تطبيقها عبر الإطار المستقر في الدولة الليبية المتكاملة دون الالتفات إلى المعرقلات السياسية من بعض أطراف النزاع، لكن من بالضبط من بين الطاقم السيادي يعرقل إصلاحات كانت في كنف التحول للمسار الديمقراطي؟
يعمل الكثير منا بالتشدق والتحول الديمقراطي ويؤكد على التمسك بمساعي الحور والخيار والحل السلمي في ما بين القوى الشرقية والغربية من البلاد لتصبح ليبيا فارغة من القانون والمؤسسات الدستورية عند مفهوم مدينة الدولة الليبية.
القضية الليبية قضية شائكة لتصبح متداولة بتميزها وبشكلها الحالي غير محفزة على شاكلة النقاط المملة في المؤتمرات الدولية والإقليمية التي وضعها المبعوث الخاص غسان سلامة على طاولة المحادثات من دولة إلى دولة أخرى.
غير أن المعادلة السياسية أصبحت اليوم صفرية وقوة المغالبة ارتفعت بدراجات ملحوظة خلال الأعوام الماضية لتجعل من الدولة الإقليمية تعمل لصالح استمرار نفوذها على مقدرات الدولة الليبية في سعيها من إسقاط الدولة الليبية في التطرف والإرهاب الدولي.
المشكلة اليوم أن ليبيا أصبحت صنع الإرادة الدولية وفرص القوى الأجنبية على هيمنتها على ليبيا أصبح كذالك اكبر من ذي قبل بسلاح والمليشيات المسلحة التي تجول البلاد تفرض على الكيان السياسي الليبي المثقوب من دول أجنبيه تريد لها البقاء على هذا الحال.
المطلوب اليوم قيادة وأرضية دستورية صلبة وخطاب وطني يستمد شرعيته من شريعة المجتمع الليبي في القانون والدستور الليبي الدائم، فكرة كانت ولتزال موجودة بين أمم العالم لتواكب بها ليبيا طريقها إلى التقدم والازدهار من اجل تمرير قضية الدولة الليبية العادلة واستعداها أن تكون قادرة على القيادة السياسية والخيارات الفعلية الصعبة.
لن نستطيع القفز إلى الأمام بمهارة وتجنب الحرب الأهلية والخروج من الأزمات المتتالية حتى نتخلص من المشاغلة والتأجيل بأغراض شخصية أو جهورية نظن إننا فد زالت من النسج الوطني الليبي، والساحر سيأتي لشعب الليبي بالخير والأمن والأمان.
وضع بيض من الذهب قد يكون في مخيلة البعض من الساسة الليبية ولكنها ستحل على ليبيا مشاكل تمكن التكنوقراط الجدد وضع ليبيا في المناصب القانونية وإعادة ليبيا إلى الحصيرة العالمية، هو كسب وفت ليس من خلال مسرحيات ممثل يعمل على تدليس القضية الليبية، لكن أن يعمل الكثير منا غالى وقف الرمال المتحركة نحو القضاء على الدولة الليبية المعاصرة.
هكذا نعمل على توقف وانسداد و مأزق التوافق الوطني لتغير العملية السياسية في ليبيا ويصبح الباب مفتوح أمام الجميع مفتوحا عندما يطلب الوطن مشاركة الجميع بالجميع لا نستعين بالوساطة والمحسوبية للغرض السياسية خصوصا أذا كان هنالك التفوق على الخونة الذي أضاعوا البلاد والعباد في حروب أهلية.
الكاتب:
رمزي حليم مفراكس
رجل أعمال – محلل سياسي واقتصادي ليبي
مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية