نعم، قد أظلنا شهرٌ كريمٌ مباركٌ ميمون، ليس كسائر شهور العام، هو شهر اختلاف إيقاع الحياة عندما تكون موغلةً في الملل، شهرٌ كلما تزود جسدك فيه من آلام الجوع والعطش أثناء الصيام، تزودت روحك بخير الزاد، التقوى
ولأن من عادة الشهور الهجرية الطواف تمامًا كحجاج بيت الله، فإن رمضان هو الآخر يطوف بشهور ميلاد المسيح جميعها، من يناير إلى ديسمبر، وذلك يعني أنه يصادف مروره في سنوات شهري مايو ويونيو.. أعوذ بالله.
أستعيذ بالله من هذين الشهرين تحديدًا، مع جميع الطلبة في مصر وعالمنا العربي، وعدد ليس بقليلٍ من دول العالم، حيث الامتحانات، وما أدراك.
قبل الدخول في تجربتي المتواضعة مع هذا التصادف العجيب، أقُصُّ عليك عزيزي القارئ ذلك الحوار
كنتُ طفلًا في الصف الثاني الابتدائي عندما سألت أمي عن جدوى تلك الامتحانات، وأجابتني بأنها الأسلوب الوحيد الذي يميز ذكاء الطلبة من عدمه، بعدها بسنوات طِوال، فاجأتني طالبةٌ مصرية الأصل إسبانية المولد جاءت من مدريد لتدرس في الألسن قائلةً لي بالحرف"أنا ما أصابني القلق من تجربة الامتحان طوال حياتي كهذه السنة التي عشتها معكم في مصر"، ثم أتبعتها بالمُفحِمة، لقد نقلت لي كلام أحد دأساتذة الجامعة في إسبانيا قائلًا، "الامتحان اختراع فاشل".
وبين فشل الاختراع في إسبانيا، ووسيلة قياس شطارة التلاميذ في مصر.. أدعوك لقراءة تلك التجربة بينما ترتوي ضلوعك بكوب محترم من التمرهندي
مَرَّ علينا رمضان في أعوامٍ ثلاثة، ذقنا فيها مرارة امتحانات آخر العام بينما كان بعض أقراننا من الطلبة الجامعيين يغوصون في الاستمتاع بالشهر الفضيل، فما إن يعلن مفتي الديار يوم حلول الضيف، إلا وينزل معه جدول الاختبارات، أو بالأحرى نتذكر مواعيد الاختبارات سريعًا، ثم نسخر ونندب حالنا الذي يصعب على الكافر، وما نلبث أن نعود سريعًا إلى المذاكرة والحفظ تمامًا كالجرذان
امتحان اللغة الثانية يوم كذا، امتحان الترجمة من العربية يوم كذا، امتحان الأدب يوم كذا، امتحان الترجمة إلى العربية يوم كذا. نحفظ الجدول ونقيس أيامه الميلادية بمصادفتها الهجرية في رمضان، وكانت الامتحانات تأخذ من الأسبوع يومين كالأحد والأربعاء مثلا، أو الإثنين والخميس، أيام ثابتة ليست بالمتقاربة..
لن أفهمك أنني سوبر مان، ولا الزناتي خليفة، فلست من أصحاب الامتيازات بين الطلبة ، على العكس، أنا من شعب الجيد الذي يرفع أكف الضراعة إلى ربه ومولاه قائلًا،"يا رب اطلع نضيف".
كنت ولله الحمد ممن يجدون وقتًا لكل شيئ، لقراءة القرآن والمذاكرة والإفطار والتراويح والنوم أحيانًا بين الإفطار والسحور.. كنت أجد وقتًا لكل شيئ، هل لأن رمضان شهرٌ مبارك؟
ربما.
الحقيقة أن فترة الامتحانات هي أصعب فترة في السنة الدراسية، وأكثرها إيلامًا وشعورًا بالقلق والخوف من المجهول، ولكن الوضع يختلف مع رمضان الذي أضفى عليها كثيرًا من المتعة، يكفيك فقط الشعور بأن الله معك، يساندك دائمًا، ولقد تعلمت من رمضان أشياءَ كثيرة عندما تصادف مروره بشهري الويل، منها أنني ولله الحمد ممن يصلون المغرب قبل الإفطار لا بعده، لم أكن مواظبًا على تلك العادة إلا منذ ثلاث سنين فقط،
صوت قرآن المغرب وتوزيع التمور في المسجد وصلاة المغرب، خصوصًا في جامع الحاج حسين في عزبة النخل لا تنسى حقًا.
حتى التراويح، رغم التقصير بسبب الامتحانات، إلا أنها أبت إلا الحضور، وحضورها هو الآخر غاية في المتعة.
وعلى ذلك، فإننا كنا نشعر بالغيظ والحنق والحقد أحيانًا على سعداء الحظ الذين انتهوا من الاختبارات قبل رمضان أو بعد قدومه بيومين، أذكر أول رمضان مر علينا في الفرقة الثانية بكلية الألسن، حيث لم يترك لنا واضعوا الجدول حتى العشر الأواخر نتهجد فيها في ارتياح، قضينا نصفهم تقريبًا في أداء الامتحانات، حتى جاء يوم الفرج، يوم التاسع والعشرين من يونيو حزيران 2016 وأعتقد أنه كان يوم الرابع والعشرين من رمضان.
برغم هذا كله، أزعم أنني أوفر حظًا من طلبة كثيرين، فقد تخرجت في الجامعة أخيرًا، واستمتعت على قدر التعب والإرهاق في ثلاثة أعوامٍ مرت، عرفت فيها معية الله حق المعرفة، وتذوقت طعم الصبرِ الذي لا مثيل لمرارته، لكن عواقبه أحلى من العسل، أعلم أن هناك من إخواننا الطلاب من استطال وقتُ أدائه لتلك الاختبارات حتى صارت بعد العيد وكأن لها ذيل، أما طلاب الثانوية العامة فكان الله في عونهم جميعًا، ستبدأ اختباراتهم بعد عيد الفطر،"يعني صوم يا حبيبي وعيد وبعدين احنا هنتصرف"، ومن المؤكد أن أحدهم عندما يتخرج سيقُصُّ علينا تجربته في إمتاع.