Image title

استهلال :

منذ إعلان داكار 20 جوان 1960 عن استقلال دولة اتحاد مالي La fédération du Mali بين "مستعمرة السودان الفرنسي Soudan Français - الذي يضم أقاليم أزواد تحت حكم فرنسي - و مستعمرة السنغال Sénégal" ، واللتين كانتا حينها من ضمن المستعمرات أو الأراضي الفرنسية التي تمتعت بالحكم الذاتي داخل المجتمع الفرنسي "République autonome au sein de la Communauté Française" .

المجتمع الفرنسي la Communauté Française جاء كنتيجة للضغط على فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكل تبعا للتفويض الممنوح لحكومة شارل ديغول وفقا لصلاحيات دستور 1958 لإنشاء مشروع دستور "ينظم العلاقات بين الجمهورية و الشعوب المرتبطة بها" ، وتم تشكيل هذا المجتمع على طبيعة الحكم الفيدرالي يرأسه رئيس الجمهورية الفرنسية بقيادة مجلس تنفيذي يجمع بين رؤساء الدول الأعضاء "المستقلة داخل المجتمع" ، مع مجلس الشيوخ الذي كان يتألف من مندوبين من البرلمانات الوطنية لتلك الدول وفق اتفاقيات خاصة بينها وبين فرنسا ، وقد منحت مستعمرة السودان الفرنسي Soudan Français - الذي يضم أقاليم أزواد - حكما ذاتيا باسم جمهورية السودان République soudanaise في 24 نوفمبر 1958 ، ومن بين المستعمرات الخاضعة لفرنسا التي تمتعت بالحكم الذاتي في ذات التاريخ السنغال وموريتانيا وغامبيا وداهومي .. كنتيجة لانتخابات 1958 للبت في مسألة الاستقلال حيث صوتت هذه المستعمرات الفرنسية االتي عرفت باسم "مستعمرة غرب أفريقيا الفرنسية Afrique occidentale française, AOF" إلى الانضمام إلى المجتمع الفرنسي بموجب المادتين 76 و 77 من دستور أكتوبر 1958 
Image title

 إعلان داكار 20 جوان 1960 الذي توج باعلان استقلال "اتحاد مالي La fédération du Mali" جاء على شكل ودي في غداء جمع بين وفد فرنسي تقدمه وزير دولة لحكومة دوبريه -وهي أول حكومة للجمهورية الفرنسية الخامسة- الوزير لويس جاكينو ، و وفد القوميين الأفارقة تقدمه ممثل مستعمرة السودان الفرنسي الأمين العام للاتحاد السوداني وتجمع القوميين الأفارقة موديبو كايتا والذي شغل قبلها عدة مناصب في حكومات الاستعمار الفرنسي السابقة .. وممثل مستعمرة السنغال ليوبولد سيدار سنغور النائب السابق في البرلمان الفرنسي  .

ومنذ ذلك الوقت طغت مسائل الدولة الوطنية والمواطنة والقوميات كمسائل قائمة في محيط منطقة شمال أفريقيا وغرب افريقيا برمتها والتي تشكلت فيها الدول وفقا لمصالح الدول الاستعمارية ونتيجة لقرارات سياسية متفردة ومقايضات سياسية ، و لم تتشكل كنتيجة لتفاعل عناصر ثقافية وسياسية واجتماعية أو كطبيعة لتلك الامتدادات . 

حيث بعد أشهر في 19 أغسطس 1960 بدأت العوامل السلبية لذلك الإعلان تطفو على السطح ، بطرد ليوبولد سنغور لممثلي السودان الفرنسي في الحكومة الاتحادية وتبعها باعلان استقلال مستعمرة السنغال باسم جمهورية السنغال la République du Sénégal وانفصالها عن اتحاد مالي ، وهو ما أحرج نظام السودان الفرنسي ودفعه إلى التفرد على اتحاد مالي إلى 22 سبتمبر 1960 حيث أعلن موديبو كايتا استقلال السودان الفرنسي للمرة الثالثة في غضون سنتين باسم جمهورية مالي La République du Mali.


Image title
تحولات السيادة منذ 1958 حتى 2012

مدخل : 

منذ إعلان تأسيس جمهورية مالي La République du Mali  كان على الدولة المالية أن تكافح في وجه القضية الأزوادية التي ظلت مزلزلة لها في كافة جوانب حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى علاقاتها الدولية والدبلوماسية. 

ورغم عدم التكافؤ في الفرص والحظوظ كان على الأزواديين خوض كفاح طويل ومرير شكلوا فيها عديد الحركات القومية والوطنية التي تقدّمت منجزاتها بشوط أكبر مع تطور صراعات المنطقة . 

ونستكشف في هذا المبحث آليات العلاقات بين الأزواديين و بين الدولة المالية منذ بداية حكم موديبو كايتا وخروج فرنسا إلى الوقت الحاضر وعودة فرنسا ، اعتمادا على متابعات دقيقة لظهور الهوية القومية للمجتمعات الأزوادية في المنطقة و تشكل الهوية والقضية الوطنية الأزوادية مع تناول لأهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأيديولجية التي مر بها المجتمع الأزوادي خلال ما يقارب ستة عقود من الصراع المرير . 

من خلال استبصار مدى تحقق عمليتي تشكيل الأمة وبناء الدولة التي تتولاها في الوقت الحاضر بعثة الأمم المتحدة متعددة الأبعاد في مالي "مينسما " مع استعراض للتطورات والتحولات المعقدة لمصير الحركة الأزوادية في ظل حقيقة التعقيدات السياسية الاقليمية والدولية ومدى تأثير الأزواديين في الخريطة الجيوستراتيجية لمنطقة الساحل والصحراء برمتها "شمال أفريقيا وغرب أفريقيا" 


Image title
خريطة المنطقة ما قبل تدخل الاستعمار الفرنسي

بين المسألة الطوارقية والقضية الأزوادية : 

من المهم جدا قبل الشروع في التفاصيل ، الاستفتاح بالثنائية التي ظلت مرتبطة ويعاد صياغاتها مع كل فترة من تجدد الصراع بين الأزواديين والدولة المالية وهي الربط بين المسألة الطوارقية والقضية الأزوادية .

هذا الربط الذي تم توظيفة وإثارته بغرض سياسي ، حيث تركّز الارتباط بتخويف الدول ذات السيادة التي تتقاسم آماكن انتشار الطوارق "ليبيا ، الجزاذر ، النيجر ، مالي ، بوركينافاسو" من تمدد الأزواديين إلى تلك المناطق وضمها لهم أو التخوف من تصاعد مطالب سكان تلك المناطق .

وهذا الاشكال أو التخوف الذي ظلت تطرحه الدول الاقليمية رغم مواقفها الغير منسجمة في الأصل يُشكل دافعا أساسيا لتفنيد مزاعم هذا الاشكال والاجابة عليها وفق معطيات وشواهد تطور الأحداث . 

و ظل تناول كلا من المسألة الطوارقية وقضية أزواد محصورا في جوانب أمنية وتقديمها كمسألة تهم الأمن فقط ويتم التعامل معها بجوانب أمنية كما تضمنت خطط الاتحاد الافريقي أو أساليب عسكرية و ما ظهر في القوة العسكرية الاقليمية والدولية التي تدخلت في الأراضي الأزوادية كأفريكوم الأمريكية ثم سيرفال الفرنسية بحشد الايكواس الغرب افريقية و الان عملية برخان الفرنسية الأوسع تمددا . 

وجاء ذلك نتيجة مباشرة لسدّ طريق الفهم بالشائعات والمؤامرات مثل ربط قضية أزواد ومسألة الطوارق بظواهر عالمية كالاسترزاق والتهريب والتطرف الديني ؛ مع ملء فراغ شح المعطيات الدقيقة والصحيحة بالتخيلات والعصبيات والتهويل .. وهو ما شكّل خلفية لمواقف مبنية في أساسها على "ذاكرة قصيرة انتقائية تحكمها مزاجيات اللحظة" من خلال أدوات وسائل الإعلام والنشر الموجه حيث يتم إنتاجها وتصميمها بما يتلاءم مع المصالح الاستعمارية والاحتلالية التي قامت عليها المنطقة . 

أمام هذا الكم الهائل من التغييب يصعب على الباحث العثور على المعلومة الحقيقية والمنصفة وايضا تمييزها ، و يرجع ذلك إلى أن الأزواديين أنفسهم لم يكتبوا كتابات مستفيضة حول قضيتهم سوى نزر يسير من المقالات والمؤلفات التي جاءت على استحياء بسيط ويُفهم سبب ذلك في انعدام وسائل التثقيف في منطقتهم المهمشة وانعدام وسائل التحرير والكتابة الصحفية التي جعلت قضيتهم لقمة سائغة لدى محترفي الصحافة اللذين تمايزت مواقفهم في تقديم وتسليط الضوء حول واقع قضية الأزواديين ومسألة الطوارق . 

وهو ما سنتناوله بعمق قي هذه السلسلة . 

Image title
أزواد



@ALIUF