كثيرة هي التحديات التي واجهت الدولة العراقية وهددت وجودها، منها ما هو خارجي ومنها الداخلي، وتنوعت الأسباب التي أوجدت تلك التحديات، كان على رأسها التدخلات الخارجية والصراعات الطائفية والسياسية، وبلا شك كان أخطر تلك التحديات ما يضرب الدولة في عمقها الداخلي، ويحاول أن ينهكها من داخل المنظومة الحاكمة نفسها.
الصراع بين مؤسسات الدولة وأذرعها المختلفة ظهر واضحا في المسلسل التركي " وادي الذئاب " وأحداثه التي كان بطلها " مراد علم دار " ورفاقه، ربما أعطت صورة مقاربة لما يجري من صراعات داخل مؤسسات الدولة العراقية، فجأة يظهر نائب رئيس الجمهورية إرهابيا، ووزير مالية العراق يهرب الى الخارج لإتهامه بقضايا إرهابية، في حين إن الداعمين الى الإرهاب وداعش وكانوا يعتلون المنصات يهتفون بشعارات عنصرية وطائفية، ويتباهون في تغريداتهم بدعمهم للإرهاب، وتحريضهم على إبادة الغالبية من الشعب العراقي، نراهم أصبحوا أركانا أساسية من العملية السياسية الجديدة.
بين هذا وذاك أختلط الحابل بالنابل وضاعت الحقيقة، ولم يعرف المواطن الحامي من الحرامي، وما يجري من صفقات سياسية بعضها بإملاءات خارجية ليس الهدف منها مصلحة الدولة أو الشعب، إنما هي مصالح شخصية وحزبية مرتبطة بمصالح خارجية، تدير الصراعات ومراكز القوة والنفوذ، جعلت الدولة تفقد أهم معيار لها، وهو القانون الذي يجب أن يخضع له الجميع، فأصبحنا نشاهد " دويلات" داخل الدولة ! كل لها مساحتها التي تتحرك فيها، على مرئ ومسمع من الجميع، دون أن يكون هناك تدخل أو إعتراض من البقية، والمواطن لايكاد يصدق نفسه، هل هو في دولة تحكمها قوانين وأنظمة ؟ أم في دولة مراد علم دار !
بعد الإنتخابات الماضية توقع الكثير إن دولة العراق الفتية تستقر، وتذهب الأوضاع فيها الى تثبيت قواعد الديمقراطية والقانون، وأن تتخلص من صراع الدويلات فيها، وتفرض سطوة القانون على جميع مفاصلها، كيلا تعاد الأحداث السابقة التي جلبت الإرهاب وداعش، بعد أن تم إطلاق سراح عتاة المجرمين من سجن أبو غريب في مسرحية مضحكة، ليكونوا فيما بعد أبرز قادة داعش ، وتوفير الأموال والسلاح لهم، في مسلسل شبيه بواد الذئاب، لكن ما لبث أن عادت القصة القديمة، وإنبري أحدهم يهدد كيان الدولة ويهينها ويسقط هيبتها، محاولا التشبه بأبطال ذلك المسلسل، لا لشيئ إلا ليقال عنه أنه البطل الهمام المدافع عن أبناء مدينته وطائفته.
قوة عسكرية قوامها 45 سيارة مسلحة تدخل النجف، وتطلق سراح إرهابيين متهمين بقتل 22 شخصا من أهل النجف في منطقة الثرثار، تم الحكم عليهم من القضاء العراقي، وبحسب تصريحات مجلس محافظة النجف والمصادر الإعلامية، فإن هذه القوة كانت مرسلة من رئيس البرلمان العراقي ! تحت ذرائع ومسوغات شتى، دون أن يكون هناك ردة فعل ضد هذا التصرف من أي جهة أمنية أو سياسية، وكأنما الأمر متفق عليه من الجميع، والضحية دماء الأبرياء التي ذهبت هدرا، وعنوان كبير إسمه دولة.
تساؤلات كثيرة يثيرها هذا الحادث؛ عن السلطات التي تحكم الدولة، والقوانين التي تديرها وتنظم ىالعلاقة بين مؤسساتها، والى متى ستبقى دويلات مراكز القوة تتحكم في قوة الدولة، ونبقى نعيش في دولة هي أشبه بالغابة، يأكل القوي فيها الضعيف.