استيقظت علي صوت امي تجهز لنا الطعام ، كعادتها لا تتأخر عن إيقاظي في السابعة..

لا أدري متي تنام هذه المرأة ومتى تهتم لامورها ، داعبتني يدها فوق كتفي الأيمن... شعرت بأناملها تجتاح كتفي كأنها جيوش بونابرت تتوغل في الأراضي العثمانية.. صوتها الدافئ الذي طالما كنت أخشى ثورته بوجهي حين اتغيب عن حصة الرياضيات ، أتذكر ذلك المدرس ذو الوجه الشاحب و الأسنان الصفراء وعلبة سجائره حمراء اللون المدون عليها " احترس التدخين قاتل "

كنت دوماً اتسأل كيف نتعلم من ر شخص لا يتعلم من نصائح الآخرين !!!

لم تكن أمي تعلم انه لا يهتم بفك تلك الطلاسم فوق الصابورة بقدر اهتمامه بعلبة سجائره ، لم تكن تعلم سوا أنه ذو سمعة طيبة فكنت أنا دائما من يُلام ..

كانت يدها لا تزال تهز كتفي كأنه غريق فقد وعيه ولكن دون إجابة .

أردت إنهاء تلك الأحداث فأدرت لها وجهي كأني أعلن استسلام ذلك الكتف وانهياره ، فقد لقي من يدها مالا تطيقه جيوش البشناق..

لم أكن اعلم كم كانت قد استغرقت لتدك حصون ذلك السبات العميق .. اهي ست ثواني ام حرب الست سنوات..!!

شعرت بكوب اللبن الدافئ ينزل في حلقي وشممت تلك الرائحة مجدداً التي اعتدت عليها حين كنت صغيراً. ولكن لا أعلم مصدرها حتي الآن.. اعلم فقط انها تشعرني بالسعادة كأنها أول شمس تشرق في بداية الربيع.

كانت أمي قد رحلت تدريجياً حين أطمئنت ان جيوش النوم قد رفعت رايتها البيضاء

لم تكن تعلم بأن الحروب كروٌ وفر..

غلبني النعاس قليلًا .. شعرت باصوات خافتة تزحف إلى فراشي ببطء ،

انه ذلك الصوت!!!!

اعرفه جيداً!!

اشعر به كأنه يقف خلف أذني ويدنو مني حتي شعرت بانفاسه..

ماذا جاء به باكراً في هذا الوقت !!

لقد مر وقت بعيد!

كان يتمتم كأنه يحمل رسالة خفية.. حاولت الإصغاء جيداً

( صديقي هذا أنا .. تتذكرني أليس كذلك!! لقد اشتقت إليك ، لا تقلق أنا في نعيم هناك حيث لا يمكن لك أن تتخيل أو يخطر بقلبك ، أجل كما كنت اصفه لك قبل رحيلي ، أنا بخير ولكـــنـ....)

قاطع حديث صوت أمي مجدداً ،

لم يكن صوتها هذه المرة  هادئً بل كموجة تيسونامي اجتاحت أسوار حيفا فاسقطتها في يد جيوش الصليب...

انتفضت ابحث عن ذلك الصوت.. ولكن لم أجده..

أنا بغرفتي ، اعرف تلك التفاصيل جيداً فأنا اخترتها..

اغمضت عيني كأني أرسل له

" أشتاق إليك أيضا ، أعلم انكم جميعاً بخير هناك. لكنك ماذا..... ؟!!!"