ضجت فرنسا ومعها العالم جراء الحريق الذي إلتهم كاندرائية نوتردام ، الأشهر في تاريخ الكنائس في الإرث المسيحي. فما الذي منح هذه الكاتدرائية ذكرى حية في الوجدان الإنساني؟ إنها ليست النقوش ولا الآثار، وليس الدين ولا تعاليمه، وليست جغرافيا أوروبا القديمة، ولا حتى تاريخ العصور الوسطى. إن من صنع تاريخا ناطقا لهذه الكاتدرائية هو الأدب، بتأليف فيكتور هوغو رواية "أحدب نوتردام"، وباليد الضخمة والخلقة الناقصة لكوازيمودو البطل ، الذي هو الأحدب ساكن الكاتدرائية والرواية معا.


صنع كوازيمودو تاريخ الإنسان الكامل في نفسه، على رغم ما عاب عليه الأنصاف من تشوه في خلقته، وقلة في عقله، ودناءة في عيشه.

حمى كوازيمودو  الدين من رمزية احتراق الكاتدرائية، وحمى الحب من رمزية حبه العفيف للفتاة الجميلة ، وحمى الجمال من رمزية وقوفه في وجه رجل الدين الذي أراد اغتصاب الفتاة داخل الكاتدرائية! 


اعتبار الفضيلة هو الفضيلة ذاتها. وما لم يُترَك في كل مجتمع ملعب من الحرية للدفاع عن الفضيلة من كل شرائح الناس، فإنه يوشك أن تتآكل هذه المجتمعات من داخلها ، وأول ذاك التلاشي أن يتم نبذ  الفئات المهمشة من تشريعات الحقوقية المدنية، وإقرار ترسيمات فئوية لا يسري فيها المعيار الإنساني، فيعيش بعض الأشخاص على طموحات الآخرين دون بذل مقابل من الاحترام والاعتراف.


إن المثل العليا هي الحامية لبقاء الأمم، هذا ما أراد فيكتور هوغو أن ينبه عليه من خلال الرواية، ولن ينفع أمة أن تملك أقصى القوة ما دامت قد أضاعت قيمها من العدالة والشرف والنبالة.

فماذا أضاعت فرنسا من القيم حتى لم تتمكن من أن تحمي تاريخها المتمثل في الكاتدرائية.