كنت جزءاً من سحابة قطنية كبيرة بيضاء، حتى هبت ريح لطيفة فصلتني عن أمي ... فارتحلت وتجولت بين الأوطان.

كنت في صغري اسمع حكايات البشر،  وتعجبت من مدى تشابه قصتي الصغيرة مع حياتهم ،فهم أيضاً يكونون صغاراً وينفصلون ثم يرتحلون بعيدا.

بعضهم يبقى ملتصقاً كبعضنا .. ولكن الأغلب منا ومنهم ينفصلون لكيانات أصغر تكبر مع الوقت لتعيش حياتها المستقلة.

في ترحالي مررت على مشاهد عديدة، حقول خضراء تارة وبنايات شاهقة تارة أخرى ، رأيت الفرح والحزن وشاهدت حكايات النجاح والفشل.

وكان من أعجب ما رأيت مجموعة من الخيام يجري بينها أطفال حفاة يلعبون بمرح ورضا رغم ملابسهم المهترئة ووجوههم الكالحة.

اقتربت منهم للحظة وفكرت لما لا أشاركههم المرح ، فأذا بي ألحظ على مقربة منهم إمرأة تجلس شاردة تمتلأ عينيها بالدموع.

اتخذت قراري واقتربت ثم أمطرت ما في جعبتي بينهم ، فصاح الأطفال فرحين وزادت سعادتهم ورفعت الأم الباكية عينيها نحوي،  فهطلت مياهي على وجهها ماسحة ما به من الدموع فابتسمت.

قررت الرحيل بعد ما تكونت بركة من المياة في وسط الخيام، حينما أشرقت الشمس فجأة فحُملت بجزء من البركة المختلطة ببعضاً من دموع المرأة الحزينة  وأحسست بثقل حملي فلم استطع التحرك حتى هبت رياح شديدة وقامت بدفعي في اتجاه جديد.

استكشفت ما حولي بفضول فرأيت أرض جدباء موحشة، وعندما نظرت يميني ويساري وجدت حشداً من السحب أمثالي أتت من جميع الجهات ، فأدركت أن الأمر قد جاء لإحياء هذه الأرض الميتة.

اندفعنا جميعاً لنسقي هذه الصحراء القاحلة فاهتزت وتحركت طبقاتها الجافة راقصة على أنغام القطرات المتساقطة لتنفخ فيها الروح وتبث فيها الحياة.

اللطيف، أني عندما مررت على هذه الصحراء بعدها بسنوات،  وجدتها قد أنبتت بعض الزهور جميلة الألوان ومن بينها لمحته... أبصرت طفلي اليافع الجميل ،شجرة صبار صغيرة شامخة،  تأملتها للحظات ثم تذكرت أني حين أمطرت كنت محملة ببعض الدموع الحزينة.