من حق الإنسان مهما كانت جنسيته وجنسه، ولونه ولغته، ومذهبه وعرقه، في  كل مكان، وفي أي زمان، أن يتمتع بالحرية، الحرية التي تولد معه، وترافقه حتى وفاته.

حين يحاول الاحتلال انتزاع حريته منه بالقوة، يمنحه القانون الدولي، وكما تمنحه الطبيعة الإنسانية، الحق في الدفاع عن أرضه وحريته.

هذا ما يعانيه الشعب الفلسطيني منذ أن سلب الاحتلال الصهيوني أرضه، الذي لم يكتف بالقتل وسفك دم، بل وقام بفتح السجون والمعتقلات، وأخذ يملأها بالنساء والرجال والأطفال والشيوخ، فلا تكاد ترى بيتا فلسطينيا إلا وقد تجرع مرارة الاعتقال والأسر، وبات الاحتلال يتفنن في إلحاق أصناف العقاب والعذاب بالأسرى جسديا ونفسيا، واتخذ من ذلك وسيلة وأداة للردع وزرع اليأس في نفوس الشعب الفلسطيني المقاوم.

إن قضية الأسرى لم تكن يوما مجرد عناوين في الصحف وقنوات الأخبار، أو مجرد جرائم كالتي اعتادها الاحتلال الغاشم، بل تعدت لأكثر من ذلك لتصبح بالنسبة للمحتل سياسة ممنهجة وذات أثر عميق لإخضاع الشعب الفلسطيني على الركوع، أما بالنسبة للفلسطينيين فهي عقيدة يؤمن بها ويناضل من أجلها كل فلسطيني حر، وهي أيقونة الحرية التي ينتظر الشعب عودتها.

إن هؤلاء الأسرى، في الوعي الجمعي الفلسطيني، ليسوا مجرد أبناء الوطن المغيبين، بفعل السجن، بل هم أبطال ناضلوا وضحوا، فأفنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون، من أجل فلسطين ومقدساتها، وهم أيقونات الحرية، الذين ينتظر شعبهم عودتهم.

وحتى تتحقق هذه العودة، يرى الشعب الفلسطيني أن من حقه المطالبة، لهؤلاء الأبناء، بالمعاملة الكريمة التي يستحقها مناضلو الحرية وفقا للقوانين والمواثيق الدولية.

تحل ذكرى "يوم الأسير" هذا العام، والحركة الأسيرة تمر في أسوأ أوضاعها وأخطر مراحلها، حيث أمعنت سلطات الاحتلال في انتهاكاتها وصعدّت من جرائمها، وتحولت سجونها إلى ساحات للقمع والاعتداءات والقتل البطيء، وأماكن للإهانة والإذلال والتعذيب الممنهج وزرع الأمراض العديدة وحقول تجارب.

إن مقاومة الاحتلال شرفٌ تعتز به الشعوب، وتتباهى به الأمم، فما من شعب كريم وقع تحت الاحتلال إلا ومارس المقاومة، وما من شعب قاوم الاحتلال إلا ونال حريته.

لقد أيقن الشعب الفلسطيني هذه الحقيقة منذ بدايات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مدار سبعون عاماً متواصلة قدم أرقاما خيالية من الشهداء والأسرى.

أن الاعتقالات وبالرغم من ضخامة أرقامها وبشاعة ما يصاحبها ويتبعها، فإنها لم ولن توقف مسيرة شعب يصر على أن يستمر في مقاومته حتى استرداد أرضه ونيل حريته. فالاعتقالات لن تقود إلى أي نوع من السلام، إذ لا يمكن فصل السلام عن الحرية، لأنه لا يمكن لفلسطيني شريف أن يكون مسالما ما لم يكن حرا.