حينما تُقرأ الأفكار الـمتطرِّفة في بطون الكتب، أو تُشاهد على شاشات الإعلام، فإنها تنتقل من مرحلة الفكرة إلـى مرحلة التطبيق، فتصير جريمة لا إنسانية يُطلق عليها الإرهاب. 
وينبغي لفت الانتباه هنا أنَّ الإرهاب ليس جريمة فعلية فحسب، وإنما هو جريمة شاملة تتَّسمُ بالتطرُّف سواءً كانت جريمة فكرية أو مشاعريَّة أو سلوكية. ولذلك يُخطئ الكثير من الناس حينما يُقزِّمون معنى الإرهاب في دَمَويَّة الـموقف، وينسون أنَّ الإرهاب قضية تتجاوز الدماء، وما أكثر الذين تأرْهَبُوا معنا دون استعمالهم لآلات قاتلة، وقتلونا دون أن تسيل دماؤنا. 
فإرهاب الدماء وإن كان ينتمي إلـى إرهاب السلوك، فلا شكَّ أنه وليد مشاعر خبيثة وأفكار متطرِّفة يُمكن اعتبارها إرهابًا صغيرًا قبل الإرهاب الكبير، أو إرهاب ما قبل الإرهاب.

فالحسد كقيمة شعوريَّة سيِّئة هي من جرَّت بقابيل إلـى قتل أخيه هابيل، واختلاف الـمعتقد كقيمة فكرية هو ما جرَّ الخوارج إلـى اغتيال علي بن أبي طالب. فتأمَّل هنا كيفَ تسوق الـمشاعر الخبيثة والأفكار الـمتطرِّفة إلـى السلوكات الدَّموية التي تستهجنها الفطرة السويَّة.

وينبغي أن نستوعب أن الإرهاب متعدِّد الأشكال، ولا يقتصر على استلاب الأرواح فحسب، إذْ هيمنة الدولار الأمريكي والأورو الأوروبي على السوق العالَمية يعتبر إرهابًا اقتصاديًّا، وإهمال إصلاح الطرقات برغم ما تحصده حوادث الـمرور من أرواح يعتبر إرهابًا قاعديًّا، والاعتماد على ترويج الأدوية العلاجيَّة بدل الترويج للأغذية الصحيَّة يعتبر إرهابًا صحيًّا، وتزايد خرِّيجي الجامعات دون توظيفهم يعتبر إرهابًا أكاديميًّا. 
الأمر الذي يجعلنا نعي أن الإرهاب ليس بسفكِ الدماء فقطْ.