لا عذاب أقسى من الحب حين يكون ملهم الإبداع، ثم يتوارى من المشهد وكأنه ما كان يوما! فأي روح تبقت للمبدع يعيش بها؟!
الحب يفتق القريحة ، فائدة رددها القدماء في فوائد الحب لمن ضاق خياله، وتبلّدت عليه نفسه. فالحب يفتح شهية التفكير والخَلْق والحوار، وكلها أساس الإلهام والاسترواح والتصوير ، ويندر أن لا نجد أصداء حب تعارك الظنون والشهود-على حد سواء- خلف قطعة نادرة من فن أصيل.
فكيف تتبدل الحال بالمبدع حين ينقلب عليه حبه فيجفو، ويهجر، ثم لا يؤوب؟!
نتساءل بمرارة :لماذا أتى الحب مادام ينوي أن يرحل عنا يوما؟ لماذا لم نعرف من أنفسنا إبداعا قبل لوعة الحب وولعه؟ أي شيء يعيدنا لسابقنا مع الإبداع... وربما، مع الحب؟!
لملمة أشلاء النص المبتور، واللوحة الظلال، والقلب آلمه الفراق؛ حال يفرّ من الاعتراف بها من باءت حيلته بالفشل في الحب والإبداع. الاعتراف إثبات، ومن القسوة حد الأقصى ، أن نقبل بأن قد غادرنا ما ظننا بوجوده أننا قد صرنا أفضل، وأجمل، وأوفر حياة.
لهذا ما كان أمام "ابن زيدون" إلا أن يترك الأندلس حين غابت فحول الحب والإبداع عن ليالي الوصل مع "ولّادة بنت المستكفي"! فعل ،حقا، أن لا شفاء من الرحيل إلا بالرحيل المضاعف .