قيل: "أكثر مقولة مؤثّرة عن الصّلاة: ماذا فعل الله لك كي تتجنّب لقاءه؟"

لا تصلِّ صلاة لا تعلّمك أيّ شيءٍ بعد أدائها، صلِّ صلاة متعبٍ يريد أن يستريح.

صلِّ صلاة مذنبٍ يريد أن يتوب.

صلِّ صلاة مريضٍ يريد أن يَشفى.

عن عبد الله بن مسعود قال: "ما صلّيت صلاة منذ أسلمت، إلاّ وأنا أرجو أن تكون كفّارة".

دع حسن صلاتك ممحاة لسوء ذنوبك، توضّأ لها قبل أن يدخل الوقت، انتظرها قبل رفع الأذان، حسّس صلاتك أنّك تقيمها حبّا فيها، لا كأنّك تمارس رياضة اليوغو، لا تجعل صلاتك شكليّة، إنّ ما يرفع الجسد هو الرّوح، وروح الصّلاة الخشوع، قال سفيان الثّوري: "مجيئك إلى الصّلاة قبل الإقامة توقيرٌ للصّلاة".

تعرّف على أوقات الصّلاة الخمس، خصّص ربع ساعةٍ قبل رفع الأذان لترك كلّ شيءٍ، وانهض لوضوئك، الصّلاة الّتي لا تترك لأجلها أشغالك ريثما تنشغل عنها.

وهل هناك شغلٌ خيرٌ من شغل الصّلاة؟ كلاّ، لأنّ الصّلاة شغلٌ بالـخالق، ولا يكون شغل الـمخلوق خيرا من شغل الخالق في عَيْنَيْ من شرب قلبه الإيمان حتّى اختلط بلحمه وشحمه.

وما أجمل ما عبّر أحدهم عمّن يتحجّج بشغله عن صلاته: "لا تقل لصلاتك عندي شغلٌ، ولكن قل لشغلك عندي صلاة".

نعم قل لشغلك عندي صلاة، قل لأصدقائك عندي صلاة، قل لأموالك عندي صلاة، قل لأفراحك عندي صلاة، حدّث أشياءك عن الصلاة، ولا تحدّث الصلاة عن أشيائك فقط.

من الـتقصير أن تتذكّر أشغالك فـي الصلاة، ولا تتذكر الصلاة فـي أشغالك.

ما أكبر قيمة الصلاة في عين السّلف الصّالح، كانوا يرون من لا يأت الصّلاة إلاّ بعد النّداء عبد سوءٍ،  لأنه لـم يتهيّأ لها قبلا، لأنّه انشغل عنها وكان حقيق به أن ينشغل بها، عن سفيان بن عيينة قال: "لا تكن مثل العبد السّوء، لا يأت حتّى يدعى، ائت الصّلاة قبل النّداء".

كانوا يأتون الـمسجد قبل أن يُرفع الأذان، لأنهم يعلمون أنّ الأذان هو الإعلام، أمّا هم فقد علموا سلفا فجاءوا مسبقا.

كان أذانهم في آذانهم، لا على الـمآذن فحسب. عن سعيدٍ بن الـمسيّب قال: "ما دخل عليّ وقت صلاةٍ، إلاّ وقد أخذت أهبتها، ولا دخل عليّ قضاء فرضٍ، إلاّ وأنا إليه مشتاقٌ".

أولئك قومٌ اشتاقوا لقاء ربّهم في الحياة فبادروا إلـى الصّلاة، واشتاقوا لقاء ربّهم فـي الموت فبادروا إلـى الجهاد، ومن أحبّ اتّخذ الوسائل.

لا شيء يجعل الوالد يفتخر بولده كأن يراه مصليّا، ولا عقوق للوالدين أشدّ من ترك الصّلاة.

إنّ السّلف الصّالح قد احترموا الصّلاة فنالوا باحترامهم إكبارا في عين الـخالق والـمخلوقين، تعبوا لأجلها لأنّها تستحقّ، ولا أشدّ أسفا ممّن يُتعب نفسه فيما لا يستحقّ.

كانت الصّلاة في عيني السّلف الصّالح قربةٌ ربّانيّة، لا مجرّد ركعاتٍ وسجداتٍ، كانوا يجدون لذّة في صلاتهم لا لذّة عنها، عن ثابت البناني قال: "أدركت رجالا من بني عدي إن كان أحدهم ليصلّي، حتّى ما يأتي فراشه إلاّ حبوا".

عرفوا قيمتها فتعبوا لأجلها، وجاهل قيمة الشّيء يزهد فيه.

كانوا سبّاقين إلـى الصّلاة فسبقوا أقرانهم، والصّلاة لا تنسَ ردّ الجميل، مكث سعيد بن الـمسيّب أربعين سنةٍ، لـم يلق القوم قد خرجوا من الـمسجد، وفرغوا من الصّلاة، إن فاتتك صحبة الصحابة، فلا يفوتنّك الاقتداء بهم، فإنّ الـمقتدي للمقتدى صاحبٌ.

اسأل نفسك بمن تقتدي؟ فالّذي لا يختار قدوة أفضل منه لن يَفْضُلَ أبدا، وقد قيل: "ما أفلح من أفلح إلاّ بصحبة من أفلح".

مصيبتنا اليوم أنّنا نجهل قيمة الصّلاة، نجهل معنى كونها العبادة الوحيدة الّتي فُرضت في السّماء، والسّماء تعني العلوّ ولا علوّ لـمن سها عن صلاته، روي عن ثابت البناني أنه قال: "الصّلاة خدمة الله في الأرض، لو علم الله عزّ وجلّ شيئا أفضل من الصّلاة، لـما قال: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلي في المحراب} ".

في حضرة الـملائكة كان قائما يصلّي، ما أكبر الصلاة في عين الله وما أصغرها في أعيننا.

عندما طعن أبو لؤلؤ الـمجوسيّ عمر بن الخطّاب وهو قائم بين يدي ربّه، سألـهم عن الصّلاة وجسده مضرّجٌ بالدّماء، لـم يكن نزيف عمر في دمائه إنّما كان في السّهو عن الصّلاة.

صلِّ صلاة هادئة كي تهدأ روحك، لا تكثر الحركة فيها فتشغل عن الخشوع، عن مجاهدٍ قال: "كان عبد الله بن الزّبير إذا قام في الصّلاة كأنّه عودٌ ،  وكان يقول: ذلك من الـخشوع في الصّلاة".

السّكون في الصّلاة مدعاةٌ إلـى تأمّل الآيات، على خلاف الحركة فإنّها فتّانةٌ مشغلة، ثمّ إنّ كثرة الحركة في الصّلاة سبيلٌ إلـى الانتقاص منها، أفترض أن تقدّم لله بضاعة منقوصة؟

عن ابن عمر قال: "إنّ أناسا يدعون يوم القيامة: الـمنقوصين ، فقيل: وما الـمنقوصون؟ قال: ينقص أحدهم صلاته بالتفاته، ووضوئه".

والآن أعد حساباتك مع صلاتك، واخرج من تقصيرك إلـى اعتبارها مصيرك، فمن نجح في صلاته كان ذلك نجاحا له في حياته.