كتب / حسام السندنهورى
لا شك ان دراسة الفلسفة اثرت بشكل كبير فى اعمال اديب نوبل / نجيب محفوظ ، ففى رواية قلب الليل* للاديب المصرى / نجيب محفوظ يبحث جعفر الراوى بطل الرواية باسلوبه الفلسفى عن محاولة للخروج من المشكلات التى تعانى منها المجتمعات بمحاولة ايجاد مذهب فلسفى سياسى جديد يقوم على ابتكاره من خلال احداث الرواية الممتعة
ففى بداية احداث الرواية يدافع جعفر عن نفسة لمحدثه بعدما ما و صل به الحال الى ماهو عليه ص 35 بانه ليس تافها كما يتصور وانه صاحب حق و ذو ثقافة و انه بوسعة ان يحدثه عن الديموقراطية و عيوب الشيوعية حيث يصف العذاب الذى تعانى منه البشرية ص35-36 قائلا"يا للخسارة لقد ضعف بصرى و انى مهدد بفقده نهائيا ذات يوم و لم يبق من العمر الا ايام و مازالت البشرية تعنى العذاب و القلق،مازلنا نموت مخلفين وراءنا املا قد تحقق و نسى و سبع خيبات تؤرقنا حتى الاحتضار"
و لعل نشاة جعفر الراوى ص37-38 فى بيت جده الذى كان وقت فراغه للدراسة و الاطلاع على علوم الدين و الفلسفة و الاقتصاد و السياسة و الادب و الذى كان بهوه ملتقى لرجال الدين و التصوف و الادب.
كما ان اسرته العريقه فى الثراء و الدين بالرغم من انه اول صعلوك فيها كان لها اثر فى تكوين شخصية جعفر الراوى بالاضافة لوالدة الذى سافر لاوروبا (فرنسا) و تعلم الفرنسية و الذى استمع لمحاضرات فى الفلسفة و اللاهوت و ذلك فى دراسة حرة ورجع للوطن دون ان يحصل على شهادة او يحرر رسالة و كان يرسل المقالات الى الصحف بين الحين و الحين و الذى ساعد جده فى ادارة املاكه كل هذا اثر فيه بشكل او باخر سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة فبالتاكيد كل هذااثر فى تكوينه الفكرى و الذى دفعه فى النهايه الى ما آل اليه حاله عبر احداث الرواية الشيقة و المثيرة و التى لا تشعر بالملل اثناء قراءتها
و لعله كانت ايضا لدى والدة ارهاصات للتوفيق كما فعل جعفر فوالده فى مقالاته التى كانت تدور حول التوفيق بين الدين من ناحية و العلم و الفلسفة من ناحية اخرى و التى يعتبرها عصرية و متقدمة لدرجة انه كان يرى والدة ليبرالى عكس ما يراة جدة من ان والده كان دنيويا يعايش الدنيا حسب راى جدة الذى يرى ان الشخص قد يكون دنيويا حتى و لو كان من رجال الدين و الانسان الالهى يعايش الله فى كل حين حتى و لو كان قاطع طريق
و ايضا كان لوالدتة دورا فى تكوين شخصية جعفر و الذى يرى ان الدين الذى تلقاه على يد والدته دين المغامرة و الاسطورة و المعجزة و الحلم و الشبح و الذى يختلف عن دين جدة الذى تلقاه منه و الذى يبدا بالتعلم و الجدية و حفظ صور و شرحها ،المام بالقواعد ،ممارسة الصلاة و الصيام و الذى يتشكل فى النهاية فى انه دين نظرى و عملى و هو ما يتاكد حينما يقول جعفر ص42 ط لقد ذهبت امى و لكنها اورثتنى دينها و ماساتها و سوف يرسبان فى جانب من نفسى طويلا ربما اكثر مما تصورت"
كل هذا شكل لدى جعفر ازمة يمكن ان نطلق عليها ازمة هوية حيث نجده يقول ص113 " اريد ان اكون شيئا ولكن ما عسى ان يكون هذا الشىء ؟ القانونى الضليع ام المحامى الناجح الحق اننى فتنت بمواد الدراسة المتنوعة و استوعبتها بمقدرة شخص ناجح و انجذبت لها باقوى مما انجذبت الى علوم الدين وكنت احفظ المقرر و افيض عنه فيما يهمنى من فروع المعرفة فقرات كثيرا فى التاريخ و الفلسفة و النفس و الاجتماع و مضيت امتلىء بحب الحقيقة"
و يضيف ص114 اعجبنى بصفة خاصة المنهج العلمى الذى يتحقق به اكبر قدر من الدقة و الموضوعية و النزاهة هل نستطيع ان نفكر فى نفس الاسلوب فى سائر شئون الحياة؟لنعرف المجتمع و الوطن و الدين و السياسة بنفس الدقة و النزاهة و الموضوعية"
كما انه يحلم بالا يكون لنا محرك الا العقل ولا هدف الا العقل و لا سلوك الا من وحى العقل وان تشطب من قاموسنا جملا مثل اعرف بقلبى او الهمتنى عواطفى او التعبير الوجدانى للحياة و انه يتمنى ان يلعب العقل دوره فى حياتنا الحميمة كما يلعب فى المعمل و بنفس اليقظة و النزاهة و الموضوعية و انه بالتالى يجب ان تتغير اغانينا و اشواقنا و احلامنا
وعن مفهومة للحرية فانه يصفها بقولة ص120 " الحرية الحقيقية هى وعى بالعقل و رسالتة و اهدافة و تحديد الوسائل بحرية الارادة و تنظيمها التنظيم الدقيق الذى يجرى مجرى القيود فهى حرية فى لباس عبودية"
ثم يبدا جعفر فى التفكير فى السياسة التى غزتة بمكتبة بباب الخلق بعنف لاول مرة و اصطرعت فى حجرة مكتبة افكار الليبرالية و الاشتراكية و الشيوعية و الفوضوية و السلفية الدينية و الفاشستية ووجد نفسه فى دوامة صاخبة دار بها راسة و لجا الى عقلة و رؤيته فى تقديس العقل يساله الرشد وسط ذلك الطوفان
راى جعفر ان السياسة عالم رحيب مفاتنة موزعة على جميع المذاهب و انه يرى فى الصفوة نبلا و ثقافة و عراقة تاريخية و انه من الممكن فى نظام اجتماعى عادل ان يرتفع كافة الافراد الى مرتبة الصفوة و انه فى الليبرالية هناك حرية و قيم و حقوق انسان اية فى الجمال و فى الشيوعية عدالة كاملة تجد المذاهب البشرية فى مناخها و تفتحها و ازدهارها و فى الدين مزايا لا تعد و لا تحصى
و انه توصل الى ان النظام الاجتماعى غير معقول و ظالم و انه مسئول عن ادوائنا من الفقر و الجهل و المرض
و فى نهايات الرواية يقدم جعفر الراوى مشروعة الذى يقوم على اسس ثلاثة اساس فلسفى و مذهب اجتماعى و اسلوب فى الحكم و يتمثل المذهب الفلسفى فى ان المريد متروك لاجتهادة له ان يعتنق المادية او الروحية او حتى الصوفية و الاساس الاجتماعى شيوعى فى جوهرة يقوم على الملكية العامة و الغاء الملكية الخاصة و التوريث و المساواة الكاملة و الغاء اى نوع من الاستغلال و ان يكون مثله الاعلى فى التعامل كل حسب قدر طاقتة و لكل قدر حاجته اما اسلوب الحكم فديموقراطى يقوم على تعدد الاحزاب و فصل السلطات و ضمان كافة الحريات عدا حرية الملكية . و القيم الانسانية و انه بصفة عامة يمكن القول بان نظامه هو الوريث الشرعى للاسلام و الثورة الفرنسية و الثورة الشيوعية
هذا هو مذهب جعفر الراوى الذى امن به و دفع حريتة ثمنا بعد ان قام بقتل مهاجم نظريتة سعد كبير طعنا بالسكين فى رقبتة و الذى حاول فية التوفيق بين المذاهب الفكرية و الايديولوجية المختلفة و المتباينة لينتج مذهب فكرى جديد
و يختم جعفر الراوى كلامة و نجيب محفوظ روايتة قائلا"لتمتلىء الحياة بالجنون المقدس حتى النفس الاخير".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*طبعة مكتبة مصر