تخيّل معي وجود 4 أشخاص داخل كهف، به ممر طويل محجوزون فيه منذ كانو صغارًا، منذ أن تعلّموا الحديث والتفكير، قيّدت أيديهم وأرجلهم بأغلال لا تمنحهم إلّا القدرة على الأكل والشرب وقضاء حاجتهم، ولكنهم لا يستطيعون رؤية ما يجري في العالم الخارجي والطريقة الوحيدة ليعرفون ما يحدث في الخارج هي برؤية ظلال تعكسها نار متأججة مشتعلة في مدخل الكهف، وبين النّار والسجناء طريق مرتفع، يفصل بينهم وبين النّار والخارج. يأتي كل يوم رجلٌ مجهول يلقي عليهم تراتيل ويفسّر لهم ما يجري في الخارج.
إنّه اليوم 20713 على التّوالي، وهاهو الرجل المجهول يأتي ليلقي خطابه،
"«لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بالظلال، لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الكهف: انقعر ومن قال للنّار ضلّلي ! الَّذِي يُؤْمِنُ به لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ به لَنْ يَرَى حياة ما بعد الكهف، بَلْ يَمْكُثُ فيه ويضمر في قعره. لاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَه"
توقّف للحظة وأردف: «رآني رجل الكهف الأول فآمن! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْني».
ثمّ صرخ أحد من رجال الكهف، " وأين هو هذا الرّب؟ نحن نرى الظلال منذ سنوات، ونريد معرفة ما يجري في الخارج."
"ويحك يا زهير، مالذي تنطق به، هذا كفر"
"دعه يا كمال، فإن الشّك طريق اليقين، سأدعو إلى رب الكهف أن يغفر له"
ردّ زهير" لا أريده أن يغفر لي"
توجّه الجميع نحو زهير وأحاطوا به يحاولون إلزامه الصّمت، ولكنه بقي يتحدث رغمًا عنهم. وفي خضم ذلك أخذت الأغلال تصطدم ببعضها البعض وثار الجميع في شجار لإيقاف كفر زهير، فتكسّر قيد أرجله وهرّب.
نفث التراب وأخذ يتسلّق الجدار محاولًا الصّعود إلى فوق، ولمّا وصل إلى أعلى الكهف، لم يستطع تحمّل ضوء النّار فرجع خطوتين إلى الوراء وسقط.
نهض مجددًا ينظر بطريقة جانبية بعين واحدةً نحو مصدر النّار، والرّجل المجهول واقف أمامه، وها هو مجرّد شيخ عجوز يحمل كتابًا يتلو منه آيات غير بيّنات. تقدّم زهير مسرعًا إلى الأمام، دفع بالشّيخ العجوز وحين وصل إلى نهاية الكهف، هجم عليه مجموعة من الأشداء، شداد غلاض رموه مجددًا في قعر الكهف، وشدّدوا أغلاله.
عاد زهير إلى جماعته، عليه ملامح الخيبة والدهشة معًا
"لن تصدّقوا ما رأيته، أترون كل هذه الظلال، إنّها مجرد انعكاسات لأشياء وأشخاص مختلفة تمامًا عمّا نعرفه، هم أشخاص يشبهوننا بنفس لون البشرة، والانعكاس الذي نراه هو كرة حمراء اللّون مصدرها حطب"
رد أحدهم" أنت سفيه، لدينا هنا كل الحقائق و إنّنا نحيا بها منذ سنوات، ما الذي أتعبك للصعود لأعلى؟ وها أنت راجع إلى هنا؟ أتريدنا أن نُضْربَ كما حصل لك؟ "أتريد إفساد أبصارنا، إن الظلال هي الحقيقة، وكما قال الرّب، "لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الكهف: انقعر ومن قال للنّار ضلّلي ! ومالظلّال إلى الحقّ المبين"
ردّ عليه زهير"ولكن من قال لك أن كل هذا صحيح؟ لقد خرجت بنفسي وتحققت من ذلك، إنّهم مجموعة من الأشخاص الساديّين الذي يريدوننا أن نعمل لأجلهم، يستمتعون ببقائنا هنا ويتخذّوننا مرحًا. رأيت النّار ومن ورائها، ورأيت حتّى الرجل المجهول.
أجاب فريدريك، " أنت مجنون لا محالة، ممسوس بريح الأعلى. اتقّي الشبهات، وتُب"
وهفت الجميع، " تُـب "
انطفئت النّار فجأة، وسمع الجميع تحركات آتية من الأعلى، اصطكت أصفاد زهير مع بعضها البعض،
توهجّت النّور مجددًا، واختفى زهير!
خاف الجميع، ولم يهمس أحد ببنت شفه.
في اليوم الموالي، استيقظ الجميع ولا أثر لزهير،
همس الجميع "كان الرّب غفورًا رحيمًا"
إنّه اليوم 20714 على التّوالي، وهاهو الرجل المجهول جاء ليلقي خطابه،
"«لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بالظلال، لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الكهف: انقعر ومن قال للنّار ضلّلي ! الَّذِي يُؤْمِنُ به لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ به لَنْ يَرَى حياة ما بعد الكهف، بَلْ يَمْكُثُ فيه ويضمر في قعر الكهف. لاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَه"