Image title
صورة: Paula Schmidt


أفضل ما قد قرأته حول معنى الحياة وما يجب ان تفعله بحياتك. 


في يوم دخل الصحفي هيُوم إلى غرفته ليلًا حاملًا زجاجة الويسكي، في ليلة ملئها التيه وألم الأزمة الوجودية، جلس على مكتبه وكتب رسالة، يطلـــب فيها النصيحة من صديقه هانتر طومسون، وهو صحفي ومؤلف أمريكي مشهور،  حول معنى الحياة، ومالاهتمام الذي يجب اتبّاعه في الحياة. 

وبعد أيــام، رّد هانتر بالآتي: 

"
.
عزيزي هيوم،

أتطلب مني النصيحة؟ آه كم هو أمر إنساني خطير! هذا لأن نصح شخص يسأل عن ماذا يريد أن يفعل بحياته هو أشبه بهوس نرجسي. فأن توّجه شخصًا نحو هدف مثالي وصحيح، وأن تريه ذلك بأصبع مرتجف هو أمرٌ لا يتّخذه إلاّ أحمق على عاتقه.

لَسْتُ أحمقًا ولكنني أحترم صراحتك في طلب النصيحة وإنّي أطلب منك، خلال قراءتك لما سأقوله، أن تعي أنّ النصيحة هي نتاج تفكير الشّخص الذي أعطاها. فما قد يكون صحيحًا بالنسبة لي قد يكون كارثة لشخص آخر. لا أرى الحياة من خلال عينيك ولا تراها انت من خلال عيناي وإذا كنت بناصحٍ، فذلك سيكون كقيادة أعمى لأعمى.

" تكون أو لا تكون تلك هي المسألة"
-ويليام شكسبير-

حقا هذه هي المسألة: فإما أن نسير مع التّيار أو أن نسبح لتحقيق هدفنا. إنّه خيارٌ يجب علينا أن نقوم به سواءً كنّا واعين أو غير واعين في وقت معين من حياتنا، و لا يفهم ذلك الكثير من الناس! فكّر في أي قرار اتخذته كان قد أثّر على مستقبلك، قد أخطئ ولكنني لا أراه أي خيار آخر سوى خيار متعلق بما ذكرته آنفًا،  ألا وهو السّير مع التيّار أو السّباحة عكسه.

ولكن لماذا لا تسير مع التيّار إذا لم يكن لك هدف؟ وهذا سؤال آخر. من الواضح أن الاستمتاع بخيار التيّار أفضل بكثير من السّــباحة في الشّك. إذًا هل يمكن حقًا للإنسان أن يجـــد هدفه؟ لست أتحدث عن بناء قصرٍ بالرّمال بل عن هدف ملموس وحقيقي. كيف يمكن لشخص أن يتيّقن أنه ليس خلف "جبل الحلوى الكبير¹ هدف قليل الحلاوة بدون أية فحوى.

إنّ الإجابة، أو بعبارة أخرى، تراجيديا الحياة، هي اننا نسعى لفهم الهـــدف وليس الإنسان. فنحن نحدد هدفًا يتطلب منّا أشياء معينة: فنفعل هذه الأشياء ونتأقلم مع متطلبات فكرة غير صالحة. لنفترض أنك كنت قد أردت خلال طفولتك أن تصير رجل إطفاء. لا أعتقد أني مخطئ إن قلتُ أنك لا تريد أن تصبح رجل إطفاء بعد الآن. لماذا؟ لأن نظرتك للحياة تغيّرت. ولم يتغير رجل الإطفاء بل أنت الذي تغيّرت. كل شخصٍ عبارة عن خلاصة ردّات فعل تجاربه. فكلما تغيّرت تجاربك وتعددت أصبحت انسانًا مختلفًا، وبذلك تتغيّر وجهة نظرك، وتستمر هذه العملية: كل ردّة فعل هي درس وكل تجربة تغيّر من وجهة نظرك.

لذلك، أو ليست حماقةً أن نعدّل حياتنا  على حسب متطلبات هدف نراه بجوانب مختلفة؟ لن نحقق بهذ المنحى إلّا اضطرابات عصبية.

لا يجب أن تتعلق الإجابة، إذن، بالأهداف الملموسة أو بأي هدفٍ على الإطلاق. سيتطلب التعمّق في هذا الموضوع كتلة من الأوراق، والله وحده أعلم بعدد المؤلفات التي كُتبت حول "معنى الانسان" أو شيء من هذا القبيل، والله وحده يعلم عدد الأشخاص الذين تأملوا في هذا الموضوع. لا يحتوي كلامي هذا على حكمة أحاول أن أمنحك إيّاها في مثلٍ أو قولٍ مأثور متعارف عليه، لأنني أول من يعترف بعدم كفاءتي لتلخيص معنى الحياة في فقرة أو إثنتين.

سأمر الآن وأوجّه كلامي إلى مصطلح "الوجودية" و قد تعتبره توجيهًا متواضعًا. أويمكنني أن أقترح شيئًا مثل "الوجود والعدمية" لجون بول سارتر، و أمرًا صغيرًا آخر يدعى "الوجودية: من دوستوفسكي إلى سارتر". وعلى كل هذه مجرد اقتراحات. أما إذا كنت مقتنعًا بأريحية بما أنت عليه وما تفعله دعك من هذه الاقتراحات ودع الأمور تجري في أعنتّها.

لنرجع الآن للإجابة. فكما قلت سابقًا إن صبّ تركيزنا في أهداف ملموسة يبدو لي قرارًا غير حكيم، لذلك نحن لا نسعى لنكون رجال إطفاء أو مصرفيّين أو رجال شرطة أو أطباء، بل نكافح لكي نكون "نحن".

ومع ذلك لا تسيء فهمي فهذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نكون رجال إطفاء أو مصرفيّين أو أطباء، ولكن يجب أن نجعل الهدف يتطابق مع شخصنا عوض جعل أنفسنا تتطابق مع الهدف. في عالمنا هذا تتّحد الوراثة مع المحيط الاجتماعي والبيئي لكي تشكل منّا مخلوقات بقدرات ورغبات، بما فيها رغبةً دفينةً لجعل حياتنا ذات معنى: يجب على المرء أن يكون شيئًا ما ويجب عليه أن يكون ذا قيمة.

فكما أرى الموضوع، تكون المعادلة كما يلي، "يجب على المرء أن يختار طريقًا يجعل قدراته تعمل بفعالية قصوى لتلبية رغباته" بفعله لذلك، هو يحقق حاجة (يعطي لنفسه هوية بعمله بمجموعة من الأنماط نحو هدف منشود). هو بذلك يبتعد عن إحباط قدراته (باختياره لطريق لا يحدّ من تنمية قدراته) كما يبتعد عن خوف رؤية هدفه يذبل أو يفقد سحره بتقدمه نحوه (بدل من أن يوجّه نفسه لتلبية متطلبات ما يسعى إليه، يوّجه هدفه ليتطابق مع قدراته ورغباته).

باختصار، لا يكرّس حياته لتحقيق هدف مسبوق بل يختار طريقة حياةٍ يعلم أنه سيستمع بها. فالهدف هو في الواقع ثانوي: فما يهم هو السعي نحو الأفضل. وإنه لمن السّخف أن تجعل شخصًا آخر يحدد لك هدفك فهذا يعني التّخلي عن واحد من النواحي الأساسية من الحياة، ألا وهي الرغبة القطعية في الإرادة الحرة التي تجعل من الإنسان إنسانًا.

لنفرض أن لك أن تختار بين ثمانية أهداف (علمًا أن كلها محددة مسبقًا) ولنفرض أنك لا ترى أي غاية في أيّ واحد منها. ماذا تفعل؟ وهنا يكمن المغزى من كل ما أريد قوله-يجب البحث عن طريقٍ تاسع.

وبطبيعة الحال فهذا الخيار ليس سهلاً كما يظهر. فقد عِشْتَ حياةً ضيّقةً نسبيًا،. لذلك من السهل تفهّم ما تشعر به الآن. ولكن الانسان الذي يسّوف في خياراته سيجد أن الظّروف ستختار له ما يريد.

فإن كنت تعّد نفسك اليوم من البائسين فليس لديك خيار سوى تقبّل الأمور كما هي أو أن تسعى بجديّة نحو أمر آخر. احذر من البحث عن الأهداف: بل ابحث عن طريقة للحياة. قرّر كيف ستعيش حياتك ثم أنظر ماذا يمكنك أن تعمل لكي توافق طريقة الحياة التي اخترتها. ولكنك قد تقول" لا أعرف أين أبحث ولا أعرف ما الذي أبحث عنه" 
وهنا يكمن الجوهر. هل يستحق البحث عن ما هو أفضل عناء التخلّي عما تملكه؟ لا أحد يمكنه اتخّاذ ذلك القرار غيرك. ولكن حتّى إذا قررت أن تبحث فأنت قد قطعت شوطًا كبيرًا في الاختيار.

يجب أن أتوّقف، وإذا لم أفْعَل الآن، فسأجد نفسي أؤلف كتابًا حول الموضوع. آمل أن هذا لم يكن محيِّرًا كما قد يبدو. وبكل تأكيد، تذكّر أنّ هذه نظرتي الشخصية للأمور وأعتقد أن نظرتي هذه تنطبق على الجميع عمومًا، إلّا أنه ربما لن تجدها كذلك. يتوجّب على كلٍ منّا أن يكون لديه نظامٌ عقائدي، وما ذكرته مجرد عقيدتي الشخصية.

إذا كان أيّ جزء من ما كتبته يبدو لك بلا معنى، وضحّه لي من فضلك. لا أحاول أن أريك الطريق إلى فالهالا²، ولكنني فقط أحاول إظهار أنه ليس من الضروري تقبّل الخيارات التي منحتها الحياة كما تعرفها. إنّ الحياة أعمق من أن تكون كذلك-ولا يتوجب إجبار أحد على فعل أمرٍ طيلة حياته.

ولكن مجددًا إذا ما انتهى بك الأمر لفعل أمر طيلة حياتك، أقنع نفسك أنه كان من المتوجب عليك فعله. ستجد الكثير مثلك.

وهذا كل ما لدي الآن.

إلى أن تسمع منّي مجددًا.

صديقك هانتر 

_________________________________
¹: أغنية شعبية أمريكية تحكي قصة حلم متشرد يحلم بجنة فيها أشجار من السجائر وجبل حلوى لا يفعل فيها شيئًا سوى النوم. https://www.youtube.com/watch?v=JqowmHgxVJQ
²: القاعة الموجودة في العالم الآخر التي يذهب إليها من مات في المعارك ويعيشون فيها بسعادة بضيافة أودين: إله الأسر.