على مدى تاريخها اتسمت الرأسمالية بأزماتها المتكررة التي تؤدي بالإقتصاد إلى ما يعرف "بالركود" إذ يتراجع الإنتاج و الطلب على المنتجات في الإقتصاد و يرتفع معدل البطالة ، و إذا كان الركود عميقا فإنه يصل لمرحلة "الكساد" ، وفي مقولة لرئيس الولايات المتحدة الأسبق رونالد ريغان: " الركود هو حين يفقد جارك وظيفته ، الكساد هو حين تفقد أنت وظيفتك " . و من هذه الأزمات المتكررة و الكثيرة يمكننا الإشارة إلى أزمتين قد تكونان الأكبر في تاريخ الرأسمالية ، الأولى هي الكساد العظيم في العام 1929 ، و الأخرى هي الركود العظيم في العام 2008 .

 سببت هذه الأزمات هزات كبيرة للرأسمالية ، و قلبت الكثير من النظريات رأسا على عقب . ففي "الركود العظيم" الذي انطلق من الولايات المتحدة الأمريكية ليغزو العالم بعدها لم يخسر 8.6 مليون أمريكي وظيفته (بين عامي 2008 و 2010) فحسب ، بل خسروا بيوتهم و مدخرات حياتهم و أدت الأزمة إلى معدل بطالة بلغ 10.8% في العام 2009 هو الأعلى منذ حوالي 25 سنة . 

رسم بياني لمعدلات البطالة في الولايات المتحدة و الاقتصادات المتقدمة يوضح القفزة الكبيرة في العام 2008

اليوم و بعد 7 سنوات من الأزمة تصارع أوروبا أزمة الديون التي ساهم فيها و زادها سوءا الركود العظيم ، و حتى دول مثل الصين و بعض الإقتصادات الصاعدة التي نجحت نوعا ما في تخطي الازمة تعاني من تبعاتها اليوم . 

الولايات المتحدة ينظر إلى تعافيها اليوم على أنه النقطة المضيئة الوحيدة بين الإقتصادات المتقدمة ، و يشاد خاصة بقرب عودتها إلى التوظيف الكامل بهبوط معدل البطالة إلى 5.1% ( إذ لا وجود لمعدل بطالة يساوي صفر ، و يمكنك مثلا مقارنته بمعدل 9.6% في الإتحاد الأوروبي) ، فهل خرجت أمريكا حقا من الأزمة ؟ ليس تماما ! هذا الهبوط الكبير في المعدل ليس عائدا بأكمله الى التحسن الإقتصادي بل لأسباب منها :

  • إذا نظرنا لعدد العاملين و من يبحثون عن عمل في الإقتصاد الأمريكي و نسبتهم إلى مجموع السكان فوق سن 16 سنة فإننا نحصل على مقياس مهم للقوة العاملة في الإقتصاد الأمريكي ، يقبع هذا المعدل اليوم في أدنى مستوياته منذ 4 عقود من الزمن مما يجر معدل البطالة الى أسفل . 
    معدل مشاركة القوة العاملة في الإقتصاد ، ويختلف الإقتصاديين حول أسبابه بين من يقول بأنه بسبب التغيير السكاني أو بسبب توقف العمال عن البحث
  • لكي تحسب كعاطل عن العمل عليك ان تكون في صدد "البحث" عن عمل ، فإذا قررت أن تتوقف عن البحث بسبب يأسك من الحصول على عمل تخرج من إحصائيات القوى العاملة و ينخفض معدل البطالة .
  • تميز الكساد العظيم بظاهرة جديدة عرفت بالبطالة طويلة الأمد ، إذ أن نسبة العاطلين عن العمل لمدة تزيد على 6 أشهر لازالت في مستويات تاريخية حتى مع الإنخفاض الأخير . ( من الصعب على من يقع في هذا التصنيف الحصول على عمل مرة أخرى )

 و بهذا نستنتج بأن حتى الإقتصاد الأمريكي لم يشفى تماما من الأزمة رغم أننا ركزنا على جانب واحد فقط في المقالة و هو البطالة ، و لكنه جانب مهم و رئيسي ، و تبقى صورة ناقصة تكملها جوانب أخرى مهمة للأزمة لا يسعنا ذكرها هنا . ختاما نتمنى أننا قدمنا لمحة مفيدة عن مدى عمق الأزمة الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية  ، و نستطيع القول بأنه ليس هنالك ما يمنع تكرر مثل هذه الأزمات في الإقتصاد الرأسمالي بل و من الممكن أن تكون أشد وطأة مستقبلا .

مدونتي : http://infiniteecon.blogspot.com/