(1) الملاحظة الأولى:
تؤكد هذه الجريمة الوحشية الارهابية التي نفذها ارهابي أبيض مسيحي من أصول أوروبية على أمرين لطالما أكدتُ عليهما في مقالاتي عن حوادث مماثلة نفذها ارهابيون مسلمون، الأمر الأول أن الارهاب بطبيعته جبان!، فهو يختار (الهدف الاسهل والاضعف) لإرسال رسالته الارهابية الترويعية لمن يعتبرهم أعداء أو لمن يهمه الأمر(؟!).. الأمر الثاني أن الارهاب ليس له دين ولا وطن بل هو نتاج ايديولوجيا متطرفة منحرفة تنضح بالكراهية وتبرر ممارسة العنف ضد (الآخر) على أساس مسوغات دينية أو قومية أو وطنية أو عرقية أو حتى أساس عقيدة سياسية راديكالية!، فكما قد يتورط في الاعمال الارهابية والوحشية بعض المنتسبين للإسلام والعرب فقد يتورط فيه بعض المنتسبين للمسيحية أو اليهودية أو البوذية أو الهندوسية أو حتى من يعتنقون العقائد السياسية كالاشتراكية والشيوعية والقومية ..الخ..
* * *
(2) الملاحظة الثانية:
منفذ هذه الجريمة الاسترالي (برينتون تارانت) ومن خلال البيان الذي نشره على صفحته في الفيسبوك بعنوان "البديل العظيم!؟" يتضح بجلاء تأثره بالأفكار العنصرية الفرنساوية التي على ما يبدو أنها باتت في الأوساط العنصرية والشعبوية في الغرب تلعب حاليًا دور ((المولد الأساسي للفكر العنصري الشعبوي)) خصوصًا فيما يتعلق بالعداء للإسلام والمسلمين والنظر اليهم على أنهم (غزاة) و(برابرة جدد) يهددون الحضارة والثقافة الغربية!، فتأثر هذا الارهابي اليميني الاسترالي المتطرف بأفكار اليمين الفرنسي واضح بالأخص تأُثره بفكرة "الاستبدال الكبير!" التي روج لها أحد مفكري العنصرية الفرنسية "رونو كامو" والروائي الفرنسي "ميشال هويلباك" اللذين يؤكدان على أن "كل تنازل للمسلمين في الغرب يؤدي حتما إلى استبدال المسيحية بالإسلام!!" و " استبدال السكان الاصليين بالمهاجرين!" حيث وجدت هذه الأفكار العنصرية (التخويفية) طريقها إلى كثير من أنصار اليمين المتطرف، بل واليمين الوسط في فرنسا !!.. ثم في بقية أوروبا كلها، وقد ظهرت آثار تغلغل هذه الأفكار الفرنسية العنصرية في ردة فعل هؤلاء على انتخاب "صديق خان" لرئاسة مدينة "لندن" حيث كتب "روبير مينارد" رئيس بلدية "بيزيي" الفرنسية في صفحته على (تويتر) تعليقًا على هذا الحدث قائلًا: "إن الاستبدال الكبير قيد التحضير في العواصم الأوروبية!!.. فأوروبا أصبحت عاجزة عن مواجهة الإسلام في عقر دارها"!!... هكذا قال!!... وهي أفكار وكتابات الغرض منها توسيع دائرة الخوف من الاسلام والكراهية للمسلمين عن طريق اللعب على وتر (الاسلامافوبيا)!.. ثم زادت وتيرة هذا التهييج العنصري (الموجه) مع ظهور احتمال حلول وزير الداخلية البريطاني المسلم (ساجد جاويد) في رئاسة وزراء بريطانيا محل (تاريزا مي) إذا ما قام البرلمان أو حزب المحافظين بإعفائها من منصبها!، فوصول مسلم لهرم الحكومة البريطانية في نظر اليمين - وخصوصًا اليمين الفرنسي - يعتبر كارثة كبرى وعار عظيم!!.. فضلًا عن أنها حادثة تؤكد (نظرية وعقيدة الاستبدال الكبير!!) التي تجري على قدم وساق بزعمهم!، أي حلول الاسلام محل المسيحية في أوروبا!!.. وهو وهم كبير وفزاعة تخويفية يستخدمها هؤلاء العنصريون لضمان استثارة مخاوف الشعوب المسيحية الأوروبية لصالح أجندة حكمهم!، فالمسلمون في (نيوزلاندا) عددهم 1% فكيف سيهددون ثقافة وهوية السكان الأصليين!؟؟... فهي مجرد فزاعة عنصرية، أي كما فعل هتلر من استخدام فزاعة (اليهودية فوبيا) لتهييج الشعب الألماني والتفافه حول مشروع الانقاذ النازي!!.
* * *
(3) الملاحظة الثالثة:
أن هذه الجريمة الواضحة البينة تؤكد ما ظل الغربيون ووسائل اعلامهم التهرب من مواجهته خلال الفترة السابقة من خلال محاولة تصوير كل غربي أبيض يمارس أعمال عنف ضد المسلمين أو غير المسلمين من أعمال القتل الجماعي بأنه مجرد (مختل عقليًا ونفسيًا) وأنه ليس ارهابيًا!!، كأنما لا يمكن لرجل مسيحي أو أبيض أو غربي أن يتورط في أعمال وحشية وارهابية كالتي يتورط فيها بعض المسلمين!!.. فأتت هذه الجريمة الارهابية الوحشية كحقيقة فاضحة لكل محاولات التستر عن وجود جماعات ونزعات (التوحش) و(الارهاب) في الغرب!، وهي نزعات موجودة في كل أمة، حتى في الأمم المتقدمة صناعيًا وسياسيًا!.. هذا من جهة ومن جهة فقد جاءت هذه الجريمة الارهابية مكتملة الأركان لفضح حقيقة تصاعد العداء للمسلمين في الغرب مع تصاعد اليمين وتراجع الليبرالية واليسار!.. وهي مشكلة على الحكومات الغربية والقوى الليبرالية واليسارية وعلى المسلمين في الغرب مواجهتها بجدية وحلول ناجعة قبل أن يدهسهم جميعًا قطار الحركات القومية العنصرية الشعبوية الشمولية مرة أخرى!!
* * *
(4) الملاحظة الرابعة:
تناول وسائل الاعلام الغربية - وحتى الناطقة بالعربية وخصوصًا فرانس 24 (!!؟؟) - لهذه الجريمة الارهابية الوحشية البشعة لم يكن بنفس القوة والزخم والصوت العالي الذي تناولت به أعمالًا ارهابية مشابهة كان منفذوها ارهابيون عرب ومسلمون!!!.. فالفرق في قوة ومساحة التناول واضح جدًا بشكل فاضح يندى له الجبين !!!....هل هي الصدمة؟ أم هو الحرج السياسي الذي يعقد الألسنة!؟ أم هو التعاطف الخفي من قبل (البعض) مع مبررات ودوافع هذا الارهابي (الأبيض) الذي أكد في بيانه الناري أنه ما نفذ هذه العملية الارهابية إلا في سبيل حماية أرضه وعرقه وقومه ودينه و( أوروبا) من هؤلاء (الغرباء) و(الغزاة) المسلمين!!؟؟.
* * *
الملاحظة الخامسة:
لا أعتقد أن ظهور القاعدة ثم الدواعش وما نفذوه من أعمال ارهابية في الغرب هو السبب (الأساسي) في ظهور ظاهرة اليمين العنصري المتطرف!، فهذه العنصرية خصوصًا ضد المسلمين الهنود والباكستان والأتراك كانت موجودة في فرنسا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا حتى قبل ظهور القاعدة والدواعش، ولكن بلا شك أن ظاهرة تآكل الروح الليبرالية - بالتقادم - بعد نشوة انتصارها على الشيوعية واطلاق (فوكوياما) صرخته الشهيرة المدوية بـ(نهاية التاريخ!) من جهة، ثم ازدياد الهجرة وخصوصًا من العالم الاسلامي - حتى قبل ظهور الدواعش - من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة الأزمات المالية التي تعاني منها الدول الرأسمالية الغربية، ثم من جهة رابعة الخوف من فشل مغامرة الاتحاد الأوروبي ومنهج فرض الهوية الأوروبية (المهلهلة) الذي تقوده فرنسا وألمانيا(*) على حساب الهويات الوطنية والقطرية والقومية للبلدان الأوروبية هي - في تقديري - الأسباب الأساسية التي ساهمت مجتمعةً في تنامي ظاهرة صعود اليمين المتطرف، هذا اليمين المعادي من جهة للاتحاد الأوروبي ومن جهة أخرى المعادي للمهاجرين المسلمين باعتبارهم حسب ايديولوجيتهم ومزاعمهم اليمينية يشكلون التهديد الوجودي للعنصر الاوروبي أكثر من غيرهم!.. ثم جاء الارهاب الداعشي - فقط - بعد ذلك - ليزيد من الطين بلةً ومن النار اشتعالًا!!.
* * *
الملاحظة السادسة:
يحاول البعض الاستعانة بمنطق (التبرير) للتخفيف من بشاعة هذه الجريمة الارهابية التي نفذها هذا (القومي والوطني والمسيحي الأبيض) المتطرف وذلك من خلال التأكيد على أن هذه الجريمة إنما جاءت كرد فعل غاضب على العمليات الارهابية التي نفذها ارهابيون مسلمون ضد بعض المسيحيين والغربيين في الغرب وفي غير الغرب!، ولهذا - حسب منطقهم التبريري - يجب تفهم ردود الأفعال الطبيعية هذه لهؤلاء الغربيين الغاضبين!... وهو تبرير سخيف لا يمكن الالتفات اليه، كحال من يبرر اغتصاب رجل لابنة رجل آخر كان قد اغتصب ابنته!!، على طريقة (والبادئ أظلم!) هل هذا يجوز!؟؟... ثم أن هذا المنطق التبريري المُعْوج هو ذاته الذي يعتمد عليه الارهابيون في القاعدة وداعش وانصارهم في تبرير عملياتهم الارهابية في الغرب!، فهم يبررون ذلك بأن الغرب قام بمهاجمة افغانستان والعراق وليبيا ومناطق الدواعش في سوريا مما تسبب في مقتل مدنيين أبرياء ومن ثم يجب (الاعتداء عليهم في عقر دارهم كما اعتدوا علينا)!!، هكذا يبررون وحشيتهم ضد المدنيين العزل!، هذا فضلًا عن مسألة دعم الغرب لدولة اليهود الصهاينة المحتلة لأرض فلسطين وضحايا غزة وتعذيب سجناء سجن (بوغريب)!.. فالإرهابيون العرب والمسلمون يتخذون من هكذا قضايا مبررًا دعائيًا لتبرير استهدافهم للأبرياء المدنيين العزل في الغرب!.. وهو تبرير أقبح من ذنب!!... لهذا فإن منطق التبرير بهذه الطريقة التي يلجأ اليها بعض العنصريين في الغرب أو حتى بعض خصوم الاسلام الديني أو الاسلام السياسي في منطقتنا العربية لتبرير جرائم غير المسلمين الارهابية ضد المسلمين ليس سوى (خيانة أخلاقية) لا غير!.
***************
سليم نصر الرقعي
15 مارس 2019
(*) تخيل لو دعونا في افريقيا إلى (الهوية الافريقية الواحدة) والسعي لجعلها جنسية وهوية رسمية جامعة لكل (الاشقاء!؟) الأفارقة على حساب هوياتنا الوطنية القطرية!!؟؟.. هل هذا مشروع واقعي وعملي ومفيد؟ أم هو مشروع (جميل) ولكنه (مش معقول)!!..هكذا حال مشروع الاتحاد الأوربي (العظيم)!... قد يكون محاولة حالمة لخلق امبراطورية عظمى وهو حلم الألمان المعتق!!؟؟...أو هو محاولة - لا شعورية - طوباوية لمضاهاة دولة الولايات الامريكية المتحدة العملاقة دون الأخذ في الاعتبار الفارق الكبير تاريخيًا وجغرافيًا!