عندما قرأت في أصول الإقتصاد المعرفي وجدت قائمة من الكتب الأمريكية التي راجت، فصَلت وجعلت أطرا لهذه الثورة الأشبه بالصناعية في وقت سابق. كان من بينها الكتاب الألمع الثروة واقتصاد المعرفة، حيث وجدت مؤلفيه جالا الأرض عرضا وطولا بحثا عن الأفكار وكما يذكر الكتاب البحث عن "جمهور ذكي طارح للأسئلة وينتمي إلى كثير من الثقافات المختلفة". استغرق تأليف الكتاب اثنتي عشرة عاما التقيا فيها بالمفكرين والعلماء والخبراء ورجال الأعمال والقانون من جميع دول العالم، منهم لي كوان يو مؤسس سنغافورة وكارلوس سليم حتى الروائي العظيم جابريل ماركيز إلى غيرهم من حائزي نوبل في شتى المجالات.
يقول المؤلف في مقدمته "علينا أن ندرك أنه ما من نظام ثروة يوجد من الفراغ" هذا كلام مدهش، انظر معي كيف يفسر ذلك لاحقا "ما هو إلا أحد المكونات من نظام أكبر وأشمل يتغذى بما تقدمه إليه مكوناته الأخرى الإجتماعية، والثقافية، والدينية، والسياسية ... وتشكل هذه المكونات مجتمعة حضارة أو أسلوب حياة متوافقا مع الثروة". طورت أمريكا هذا النظام ولديها خارطة طريق رهيبة! يقول الكاتب يكره الملايين أمريكا لسياساتها في الشرق الأوسط ولطموحاتها الإستعمارية ولكن لو عم السلام الشرق الأوسط فإنهم سيضلون يكرهونها "ا لنظام الذي تطوره يهدد بطبيعته المصالح السياسية والمالية القديمة .. زد على ذلك التغيرات المثيرة للجدل في دور النساء، والأقليات، والمثليين ... تعزز شخصية الفرد فإنها تعتبر تهديدا للمجتمع، الأسوأ أنها تغوي الشباب، وتدفعهم نحو الإيمان بالعدمية، واتباع الملذات، والإنحلال الخلقي ..."
لا العالم الإسلامي ولا العربي لديه رؤية في كيفية التحول إلى هذا الإقتصاد الجديد ولا المآلات التي سيؤول إليها الحال بعد عدد من السنوات. تشهد المملكة العربية السعودية ثورة في التعليم فقد أنشأت الجامعات في كل أرجاء الدولة وهيأت الكثير من البرامج منها برنامج خادم الحرمين الشريفين للإبتعاث للنهوض بالدولة ومواكبة دول العالم الأول في التحولات التي يفرضها الوقت. إنني حقيقة أرى أنه أصبح فرض عين على الشباب السعودي المساهمة في صناعة هذه الرؤية للعالم العربي والإسلامي. الفرصة مواتية أن يتصدر أفراد هذا البلد والدولة المشهد العلمي والثقافي لهذا العالم العربي الذي يعيش موجة من الفوضى والضياع؛ وهذا يقود إلى حفظ مكانة هذا البلد سياسياً واقتصاديا ولا طريق غير ذلك في هذا الزمان.
لا أريد أن أطيل هي فقط لبعثرة الأسئلة: هل لدينا تصور؟ فلسفة خلف ريادة الأعمال والإقتصاد المعرفي؟ هل لدينا باحثين يتسائلون عن وجهتنا النهائية؟ لا يمكن أن نقفز إلى عرض البحر لأن هناك من يمخر عبابه ولا نملك خارطته ولا مركبته!