المتابع لخطاب عمار الحكيم في ذكرى يوم الشهيد العراقي، يراه حمل رسائل متعددة خارجية وداخلية، فالخارجية منها كانت بصوت عال هذه المرة، موجهة الى الشرق تارة، والى الغرب تارة أخرى، أما الداخلية فكانت ذات مضامين متعددة، أبرزها عن دور تحالف الإصلاح والإعمار في الفترة القادمة.
ما يلفت الإنتياه في هذا الخطاب إنه كانت متحيزأ تجاه البصرة .. وخصها في فقرات منه دونا عن غيرها من المحافظات العراقية، بكلمات المدح والإيثار والرؤية السياسية لما يطمح له لهذه المحافظة - من وجهة نظره - في الفترة المقبلة، وكأنه أراد أن يبعث رسائل الى الشعب البصري أولا، والقوى السياسية الحاكمة فيها ثانيا، فبعض البصرين أمضى يوما كاملا في الطريق الى بغداد، ومركباتهم سدت طرق العاصمة، من أجل إحياء يوم الشهيد العراقي، والوقوف لساعات أمام منصة الاحتفال، فكان لابد من رد الجميل لهذه الجموع الحاضرة،
يمكن عد البصرة نموذجا مثاليا للعراق في طبيعتها السكانية، وفي طبيعة الصراعات السياسية فيها، التي جعلت البصرة تصل الى ما وصلت إليه، من سوء الخدمات وتفشي البطالة وإنتشار الأمراض السرطانية، وهي تنتج 90% من نفط العراق ومنفذه الوحيد على الخليج، لكن البعض تكالبوا عليها ينهشون بخيراتها كالأسود الضارية، كل يأخذ نصيبه من خيراتها، مسخرين إعلامهم لذر الرماد في عيون البصريين من أجل ان لا يرون الحقيقة، ولا تنهض البصرة ليبقى مستأثرا بثرواتها.
حين كانت الحكومة المحلية للبصرة من نفس المكون السياسي للحكومة الاتحادية أغدقت الاموال على البصرة لكنها أستغلت في مشاريع ليست لا جدوى وأخرى فاشلة تماما، فالمدينة الرياضية كلفت 3 مليار دولار والبصريون ليس لديهم ماء صالح للشرب ولامجاري لمياه الامطار أو للمياه الثقيلة ! ومشروع ماء الزبير كلف ملايين الدولارات لم يتم تشغيله إلا حين إفتتاحه فقط، بل أن النصب المعروف " بالباذنجانة " كلف ميزانة البصرة أكثر من تسعة مليارات دينار عراقي!
حرمت البصرة من مستحقاتها النفطية، البالغة 4.5 مليار دولار على الحكومة الإتحادية، وميناء أم قصر تسيطر عليه أحزاب ومليشيات مسلحة، مستخدمة إياه لفرض الإتاوات ومنفذا لتجارتها، أما ميناء الفاو الكبير فلم يبصر النور بعد، رغم أن أحد وزراء الحكومة السابقة وعد بالإستقالة إذا لم يتم تنفيذه خلال مدة إستيزاره، فذهب وذهبت معه الأربعة مليارات دولار المخصصة لانشائه، ومنافذها الحدودية إستولت عليها العصابات، وأصبحت ممرا لتهريب المخدرات والبضائع الفاسدة.
لطالما أثبت عمار الحكيم أنه بصري بإمتياز، وأن إنتشال البصرة من أوضاعها المتردية أهم أولوياته، فمشروع البترودولار كان من الممكن أن يرفع كثيرا من معاناتها ، لكنه بقي مدفونا في مكاتب الحكومة الإتحادية، كونها لا تريد أن يحسب هذا الانجاز لمنافس سياسي، ومشروع " البصرة عاصمة العراق الإقتصادية " يمثل مشروعا طموحا يجعل البصرة في مصاف المدن المتقدمة لو تم تطبيقه، لكن الحكومة المركزية تعاملت مع البصرة كما تتعامل إسرائيل مع غزة والضفة الغربية !
ليس غريبا أن نسمع من الحكيم في خطابه الأخير بأن البصرة " لأهلها " ويدعو القوى السياسية والعشائرية والحراك الشعبي لإختيار شخصية كفوءة وقديرة لمنصب محافظ البصرة، وأن تيار الحكمة سيدعم خيارات البصريين، فهو لم يبخل عليها سابقا بإستحقاقه الإنتخابي وجعل إثنين من أهم وزراء الحكومة السابقة منها، هما وزير النقل والنفط، وهي التي عانت سابقا ولاحقا من التهميش، فالعلاقة بين الحكيم وأهل البصرة علاقة تاريخية ، فعودة محمد باقر الحكيم الى العراق عن طريق البصرة ليست محض صدفة.