طوال عمري وأنا لا أحتمل العيش دون شيئًا من الخيال ، أعني أنه لا بد لي من شخصية مختلقة تعيش في عقلي ، كل يوم بعد أن تنتهي الأعباء وتنفذ المسؤوليات وأتخلص من أشغالي ألجأ إلى شخصيتي ،وأعيش كل ما أحب وما لا أحب أيضًا _وهذا العجيب_ من خلالها ، وإن كان الخيال محتجب وراء هموم أو عاجز ببساطة عن صنع المزيد منها ، فإلى الرواية ألوذ ، تارة أكون مع "هركيول بوارو" محققي الأفضل لكاتبتي الفضلى ، وتارة مع "رفعت إسماعيل " بتخاريفه ووحوشه وقلبه المتعلّ ،وتارة مع "دانيال ستيل" وكل الدراما الهائلة لشخصياتها المتنوعة ومدنها العديدة المثيرة والرومانسية التي أهواها وأمقتها بين حينٍ وحين .


مجمل القول أن للخيال دور وجزء لا يتجزأ مني ، كم أستغربني في هذا ، فالرواية أو التخيل ليسا مادة للرفاهية عندي بل هما عضو حيوي مني ، شيء كالرئة التي تمتص لي الهواء من الوجود ، أو كالقلب الذي يمد أطرافي بنبضها ، أو كالعين التي تبصر لي الكائن أمامي ، شيء لا أستغني عنه ألبتة ، أعيشه مرارًا وتكرارًا وأردد حادثاته كما لو أنها واقعة أكثر من الواقع الذي أعرف وأحيا فيه ، وكلما فكرت في الأمر وجدت غرابةً شديدة في هذا الاستمتاع الجارف الذي ألقى من وراء الإبحار في خيالاتي ،أحيانًا أخاله مرضًا ، لكن أوليس كل كاتب به مريض ؟ 

لذا إما أن أكتب وإما أُجنّ !