في الحقيقة على مدار عامين كان لدي شغف بسيط بالبحث في الطب النفسي وفهم مايجري بداخل المخ من تغيير قد يسبب اضطرابات نفسية لكنني وجدت أنني مازالت مبتدئاً ولا أقوى على الغوص في مراجع الطب النفسي بمفردي ؛ فلجأت كثير للاطباء بشكل شخصي وعلى مواقع التواصل الأجتماعي فوجدت أنني أهدر وقتي مابين انتظار الأجابة الغير شافية على الأطلاق ومابين جملة "أصبر ستتعلم كل شيء في وقت لاحق " ؛فقررت البحث بنفسي عن اجابات تلك الأسئلة التي تدور في عقلي وتصحيح مسار الافكار الخاطئة عن الاضطرابات النفسية ومازلت أحاول جاهداً أن يتم نشر الوعي النفسي بين الناس جميعاً حتى وان كان من خلال منصات التدوين البسيطة ..
في الحقيقة قد يكون محتوى المقال صادماً بعض الشيء الا أنه بعد بحث طويل يمكنني القول بكل ثقة انه لا يوجد اي دليل حتى الأن يشير الى أن الاكتئاب ناجم عن حدوث خلل في النظام الكميائي للمخ ؛اما مانقرأه في وسائل الإعلام عن عدم التوازن الكيميائي يأتي بشكل مباشر أو غير مباشر من الصناعات النفسية والصيدلانية. و تأتي مباشرة من الإعلانات ، اوبشكل غير مباشر عن طريق الاطباء وامدادهم بالقدر الكافي من معلومات مطابقة تماما لاعلانات الشركات، وحتى تمويل أقسام الجامعة ومجموعات المرضى ، والضغط عليهم لدعم قصتهم...
أما عن السؤل الذي حيرني ودفعني للبحث عنه هو " إذا كان من الممكن أن تحدث الأمراض العقلية بسبب الاختلالات الكيميائية ، فلماذا لا توجد اختبارات سريرية لتشخيص هذه الاختلالات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي او الاشعة المقطعية مختلفة الزوايا على المخ ، وما إلى ذلك؟
دعني اذكر لك حوار دار بين مريضة اكتئاب مع طبيبها النفسي في زيارتها الأولى له يرويها د.كلايف شيرولك (دكتور الطب النفسي بجامعة اكسفورد )
تم تشخيص امرأة بأنها تعاني من الاكتئاب من قبل طبيبها النفسي طمأنها بأن ذلك لم يكن خطأها كان ذلك بسبب اختلال التوازن الكيميائي في دماغها. قال "إنه مرض مثل داء السكري أو التهاب المفاصل ، وتحتاج إلى تناول الدواء لتصحيح ذلك." وصف مضادا للاكتئاب.
لكن المرأة قالت ، "هذا مخيف حقاً لأن يُقال لك أنك مصاب بمرض خطير في دماغك. ما مدى سوء هذا المرض؟ ما هي مستويات المواد الكيميائية في دماغي؟
كان على الطبيب أن يعترف ، "حسنا ، أنا لا أعرف. نحن لم نقيسهم ا...
"ثم كيف تعرف أنهم غير متوازنين؟ هل يمكنك قياسها ودعني أعرف مدى سوءها؟
"أنا آسف ولكن لا توجد طريقة يمكننا قياسها. هذا غير ممكن ومحاولة المعرفة تعني حفر ثقب في جمجمتك وإدخال أنبوب لأخذ العينات. ليس مرة واحدة فقط بل عدة مرات. ولن نعرف مكان أخذ عينات منها. من المؤكد تقريبا أن تتلف أجزاء من دماغك.
في الحقيقة ، عليّ أن أخبركم أنه لم يسبق لأحد أن قاس مستويات المواد الكيميائية في دماغ أي شخص. لم يحدث ذلك أبداً.
والسؤال الاخر الذي راودني بشدة ان كان الامر كما ذُكر ان الخلل الكميائي في هرومنات المخ هو السبب في مرض الاكتئاب اذا فما فائدة الجلسات النفسية ؟ لو كان الامر بمثابة تصحيح مسار خطأ للهرومنات بقلتها او بعدم اعادة امتصاصها مرة اخرى بعقارات تساعد على زيادتها او حتى تساعد في تثبطيها وتراكمها في المخ مرة اخرى لتعود الامور لطبيعيتها مرة اخرى فما فائدة تلك المحادثة التي قد تمتد لساعات مع الطبيب ؟ نعم انه مايسمى ب " Rehabilitation " او " اعادة التأهيل النفسي " اذا فهناك احتمال اخر او هناك أمر ما يخفيه الاطباء ؟ لكن بالنظر الى الطريقة التي يتم بها علاج الاكتئاب من مرحلة اولى هي الجلسات النفسية مع بعض العقارات التي تساعد على تحسن الحالة النفسية للمريض مما قد يساعده على تغير أفكاره وحالته بشكل كليا او جزئيا انتقالا لمرحلة متأخرة اذا فشلت الخطوات الاولى وهي جلسات الكهرباء ؛ لذلك كان فهم معنى الاكتئاب وأسبابه أكبر بكثير من مجرد وصفه بتغير في كمياء المخ فهو كما وُصف بدقة فهو " الكلب الأسود " والثقب الاسود " وكل مايصلح أن يوصف به الظلام والضباب والعتمة صح ان يوصف به الاكتئاب .
وعلى الجانب الأخر لم يكن التسويق لمضادات الاكتئاب عادة حديثة بل بدأت مع بداية تطور المرض النفسي وزيادة وعي المجتمع عن الاضضرابات النفسية ففي عام 1995 وضع التحالف الوطني لأبحاث الفصام والاكتئاب (NARSAD) إعلانا في الصحف في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. كان جزءًا من حملة أطلق عليها اسم الاكتئاب: عيب في الكيمياء ، وليس في الشخصية. ووصف الإعلان الاكتئاب بأنه مرض بدني يتطلب الدواء ، مثلما يتطلب مرض السكري علاج الأنسولين ، قائلاً إن الأبحاث أظهرت أن الاكتئاب ينتج عن مستوى غير كافٍ من السيروتونين في فصوص الدماغ الأمامية. ثم يعرض الإعلان صورة لمسح الدماغ يدّعي فيه إظهار أن هذه الحالة الشاذة "وجدت في العديد من حالات الاكتئاب الشديدة". في الواقع ، لم يتم العثور على مثل هذه النتائج من قبل ..
وعلى هذا السياق استمر التسويق المستمر للادوية التي تعمل على وهم اصلاح الخلل الحادث في كمياء المخ وكان من السهل على شركات الادوية خداع المريض من خلال بعض الصور المظلمة التي تعقبها صور سماء صافية تضيء الكون فقط بعد تناول عقار واحد من مضادات الاكتئاب ؛ او المليارات التي تصرف على اخراج حلم جميل تم تصويره في جزر المالديف فقط لاقناع المريض بفاعلية المهدأت وأدوية النوم وتأثيرها على المخ بسهولة وبدون أي ضرر قد يلحق تلك الاحلام الوردية ؛ وعلى الجانب الاول استمر الاطباء على مدار تلك الاعوام في تطوير مستمر للاضطرابات النفسية والأبداع في وصف كل فعل انساني ناتج عن رد فعل سوي من أحداث يومه الى عشرات الاضطرابات با أسماء مختلفة وفي الحقيقة لا يجد المريض الا أن يخضع لتلك الاوهام التى تتغذى عليها شركات الادوية ومن بعدها يكون الطبيب هو المستفيد الثاني لذلك التشخيص البسيط .
لا يعتريني حقيقة أي درجة من الاستغراب عن تأثير تلك الاعلانات على عقلية المريض بسهولة ان أنكرت ذلك فصدقا لا أستطيع انكار خاصية " العلاج بالوهم " او مابتعرف ب " placebo " ,وهي وهم المريض بفعالية دواء من نوع معين على تسكين جميع الام جسده والحقيقة أن هذا العقار هو عبارة عن جرعة بسيطة من الباراسيتامول وعلى هذا فأن النتيجة تكون مقاربة جدا لو استخدمنا العقار الذي أُوهم به المريض والتجارب التي أُجريت على هذا النوع من العلاج بالوهم هو كثيرة جدا ونتائجها فعّالة ومجربة .
لا أقصد بهذا المقال انكار اي نوع من الاضطرابات او اي محاولة ضئيلة مني للتقليل من مكانة وشأن الطب النفسي في المجتمع او انكار دور العقارات في تحسن الحالة المزاجية لمريض الاكتئاب ..لكن ماكنت أهدف اليه هو تصحيح بعض الافكار الخاطئة عن الاكتئاب والاجابة عن بعض الاسئلة في عقلي اولا ثم نشرها بشكل عام ليعم الوعي بطرق مختلفة وعلى هذا يبقا البحث وراء المخ وكمياء الهرومنات وخاصة المتحكمة في تغير المزاج والقدرة حتى على النوم بداية من هرمون الميلاتونين وصولا الى الدومباين وتأثيره على الجسد بشكل عام هو لغز غامض يحمل بين طياته كثير من الاحتمالات والنظريات لعل يوما يكون الوعي النفسي بين الناس كالوعي بأعراض البرد والانفلونزا وهذا ما أهدف اليه وأتمنى أن أصل الى طريق فيه يترك أثر بعد موتي .
=====================================================
مصادر للبحث عن خلل كمياء المخ وعلاقتها بالاكتئاب ..
Cracked: Why Psychiatry is Doing More Harm Thank Good by Dr James Davies.
Blaming the Brain: the Truth About Drugs and Mental Health by Dr Elliot Valenstein.
Anatomy of an Epidemic: Magic Bullets, Psychiatric Drugs by Robert Whitaker.
The Myth of the Chemical Cure by Dr Joanna Moncrieff.
===============
http://cepuk.org/
=======
موقع دكتور كلايف ..
https://www.adaptationpractice.org/