إننا -كعرب- نتشابه مع اليابان في خصلة مهمة؛ ألا وهي "الاحتفاء بالماضي"! غير أن اليابان استخدمت الماضي ولم تترك نفسها لها، إنها تستحضره وقت تشعر أن صناعتها بحاجة لتوكيد الهوية اليابانية فيها، على شاكلة أن تقول مثلا (صنع في اليابان)!
أما نحن فقد استوطنت فكرة الماضي أقدارنا المستقبلية، ولم نتخلص منه لأننا جعلناه بناء نظرتنا إلى موقعنا في حركة الحياة ، ولم ننتبه أن هذا الماضي كان يوما ما هو حركة، ولكنها استنفذت وقودها.
ولأن لنا مع فقه المصطلح مأزق ، فلا بد أن نحدد عن أي ماض نتحدث ؟ في قاعدة واضحة ؛ فإننا لا نقصد بالماضي "ما هو مشرِّف لحاضرنا" . بهذا الضبط بصير سهلا أن نقيس ما نود أن تتجاوزه من هزائم الماضي ، وما نتمسك به لأنه بعثنا على سوية الأصالة الدافعة، ومما استبقى وجودنا حتى اللحظة .
وفِي يومياتنا الشخصية استطرقت "الماضوية" أبعادها ، حيث التفت على شؤوننا كلها:
فما الحب إلا الحب الأول..
ولم بترك لنا الأجداد خيرا نصنعه فقد استأثروا به كاملا ..
والفنون والآداب انتهت مدتها عند مرحلة بعينها..
إن التعامل مع الماضوية في التصور والسلوك تخالف الماضي كمفهوم وصيرورة حياة.
ونحن اليوم "ماضويون" ، ولكنا لا نحتفي بما هو جميل وعظيم في الماضي.