أهم سمات ومميزات السيرة النبوية لابن هشام المعافري رحمه الله تعالى من واقع قراءتي للكتاب .
في البداية أقول الكلام على سيرة ابن هشام تقريباً هو كالكلام على سيرة ابن إسحاق , وقبل الدخول في الموضوع أشير الى ثلاث نقاط :
أولا: سيرة ابن هشام هي عبارة عن اختصار لكتاب السيرة ( أو السير والمغازي ) لمحمد بن إسحاق المطلبي رحمه الله ( و قد وقفت على نسخة منه في مجلدين من الحجم الوسط بمكتبة الرشد) والحق يقال ان سيرة ابن هشام وان قيل انها اختصار لسيرة ابن إسحاق لا كن ليس كأي اختصار او مجرد اختصار بل هي اختصار وتهذيب وتعليق وتوضيح وتصحيح وتبيين لها , فأنت في طول الكتاب وعرضه لا تنفك عن قراءة قال ابن إسحاق وقال ابن هشام معقباً ومصححاً ومبيناً , ومما يدلك على ان سيرة ابن هشام ليس مجرد اختصار هو حجم الكتاب الذي يقع في أربعة أجزاء في مجلد ضخم او اربعة مجلدات صغار كما هو الحال في طبعة العصرية في حين ان سيرة ابن اسحاق تقع في جزئين في مجلد واحد كما في طبعة الدار العلمية , ناهيك عن الزيادات التي زادها ابن أهشام بإسناده تجدها واضحة مبثوثة في ثنايا الكتاب
ثانياً : سيرة ابن هشام هي من أقدم المصادر التي وصلت إلينا في السيرة وهي أشهر من سيرة بن إسحاق التي هي الأصل .
ثالثاً : لا يعتبر كتاب سيرة ابن هشام كتاب في السيرة فقط بل كتاب تراجم وكتاب لغة وكتاب في النسب وكتاب في التاريخ وفي أسباب النزول والمغازي والسير .
وبعد فهذا اوان الشروع في تدوين السمات والمميزات لهذا الكتاب من واقع قراءتي له
- يروي ابن هشام عن محمد بن اسحاق بواسطة واحدة .
- بين ابن إسحاق وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وسائط ( أربع أنفس في الغالب الأعم ) يعني إسناد رباعي .
- وقد يروي عن ابن عباس رضي الله عنه بواسطتين فقط انظر ج1ص194 في حديث من خلق الله .
- ويروي عن انس بن مالك بواسطة واحدة في حديث قليب بدر ( ص254ج2 )
- بدأ سيرته اقصد ابن هشام من أول نبي الله إسماعيل ( عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ) مع انه ذكر النسب الشريف إلى أبينا آدم عليه السلام .
- يرد ابن هشام بعض الروايات التي ذكرها ابن إسحاق لثبوت ما هو اصح منها من طرق أخرى غير طريق ابن إسحاق .
- يذكر ابن إسحاق الحديث ثم يعقبه بذكر الإسناد أو العكس انظر مثلاً ص 213 ج 3 عند ذكر حديث ( لا يصلينا حدكم العصر الا في بني قريظة ) .
- يذكر من القصيدة الطويلة الشاهد على كلامه ثم يقول ( وهذه الأبيات من قصيدة طويلة سأذكرها في موضعها ان شاء الله ) قلت كرر ذلك في مواضع عدة انظر مثلاً ما قيل في صفة الفيل من الشعر ( ج1 ص45 ) وما بعدها .
- يذكر أي ابن إسحاق بلاغات كثيرة عن الزهري رحمه الله .
- يعزوا أي ابن هشام كل بيت من الشعر إلى قائله لا يكاد يخرم بذلك .
- ذكر في كتابه هذا جملة طيبة وطائفة كبيرة من أسباب النزول ( أسباب نزول القرآن )
- قد يشير أي ابن اسحاق الى حادثة او يذكر وقعة ما ثم يرجئ أي ابن هشام الكلام عليها انظر مثلاً ج1 ص 64 قال ابن اسحاق وكان في دوس صنماً لعمر بن حممة الدوسي قال ابن هشام سأذكره في موضعه .
- ذكر جملة من أسباب المسميات كسبب تسمية قعيقعان واجياد والمطابخ انظر مثلاً ج1ص 87 وكذلك أمر جرهم ودق زمزم وغيرها مما تجده في ثنيا الكتاب .
- قد يختصر الحادثة الطويلة إذا رأى أنها ستقطع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر مثلاً آخر الكلام على حرب الفجار ص 139 ج 1
- يقوم ابن هشام بتفسير الكلمات الغريبة الواردة في النص سواء كان هذا النص شعراً او نثراً او كلام عادياً ويستدل في تفسير الغريب بالشعر .
- قد يسوق ابن إسحاق الإسناد ثم يذكر القصة او يروي الحديث ثم يعقبه بذكر الإسناد انظر مثال على ذلك ص132, 133 ج 2 .
- نفس ابن إسحاق في التفسير جميل يتضح ذلك عند تفسيره لما نزل من البقرة في المنافقين واليهود ص 151ج2 .
- يذكر الحادثة وما قيل فيها من الشعر والردود على هذا الشعر .
- ابن هشام قد يحذف بعض الكلمات او يقوم بتعديلها في روايته عن ابن اسحاق لشناعة لفظ هذه الكلمات انظر مثلاً عند تفسير ابن إسحاق لقول الله تعالى ( إذ يركهم الله في منامك قليلاً ... الاية ) ص 86, 87 ج2 .
- القصائد والأشعار التي فيها انتقاص للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقوم ابن هشام بعدم ذكرها انظر مثلاً في الأشعار التي تقاولوها بعد بدر ص 30ج3 قال ابن إسحاق قصيدة لأمية ابن أبي الصلت يرثي فيها من أصيب من قريش يوم بدر قال ابن هشام تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم .
- من عادة ابن إسحاق عند ذكر الأحداث الكبيرة ان يذكر أكثر من رواية سمعها من مشايخه يسوقها مساقاً واحداً أي يجمع بينها في السياق فتجده يقول مثلاً عن فلان وفلان وفلان ويسمي من سمع منهم الحديث ثم يقول كلهم قد حدث بعض الحديث وقد اجتمع حديثهم فيما سقت من الحديث انظر مثال على ذلك غزوة احد وغزوة الخندق وغيرها .....
- كثيراً ما يذكر ابن هشام بيت شعر من قصيدة ثم يقول ( وهذا البيت في قصيدة له ) قلت انا حمدي الصيودي فلو تتبع احدهم الشعر المذكور وذكر تمامه حسب كلام المؤلف لأتى ذلك في كتاب شعر كبير فيه من القصائد الجم الغفير .
- ابن هشام يستدرك على ابن إسحاق خصوصاً عند ذكر أسماء من شهد المشاهد او قتل فيها .
ومن باب الفائدة اسوق لكم صيغ التحديث التي ذكرها ابن إسحاق في السيرة والتي بدوره نقلها لنا ابن هشام واختم بها ان شاء الله تعالى :
من هذه الصيغ :
حدثني من لا اتهم
حدثني بعض أهل العلم
حدثني من أصحابنا من لا اتهم
ذُكر لي
حدثني بعض أصحابنا
حدثني فلان عن أشياخ من قومه
حدثني فلان عن فلان عن أشياخ من قومه
حدثني بعض من لا اتهم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا عن أهله
وحدثني فلان قال حدثني من شئت من رجال قومي
وحدثني الثقة انه حُدث عن فلان
وحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة
وبلغني عمن لا اتهم قال
هذه هي الصيغ التي مرت معي في السيرة النبوية لابن هشام رحمه الله , والحمد لله ان سيرة ابن هشام وقبلها سيرة ابن إسحاق لم تكن هي المصدر الوحيد لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فصيغ التحديث المذكورة غالبها لا يسمن ولا يغني من جوع وان كان غالب ما في سيرة ابن هشام صحيح لا كنها كغيرها من الكتب لم تخلوا من الضعيف بأنواعه .
هذا ما علق بذاكرتي من سمات ومميزات هذا الكتاب المبارك .
دمتم في طاعة الله وأمنه .
يا نظراً فيه إن ألفيت فائدة
... . فاجنح إليها ولا تجنح إلى الحسدِ
وان عثرت لنا فيه على زللٍ
..... فاغفر فلست مجبولاً على الرشد
قاله بلسانه وقيده ببنانه
الراجي عفو ربه القوي ** أبو مسلم الصيودي الأثري
حمدي حامد محمود الصيد
حامداً ومصلياً لله رب العالمين
#الصيودي حمدي حامد