عاملتموه كطفلِ أصغر من أن يَفهم .. و كبالغ أكبر من أن يُخطئ .. لم تحترموا نموه .. حتى نشأ شخصًا ساذجًا يتخبط في دروب الحياة .. واليوم.. تلومونه على ذلك..
لطالما أخطأ وعوقِب، عوقِب دون أن يفهم سوى أنه أخطأ، عوقِب كي لا يكرر الخطأ خوفًا من العقاب .. لا اقتناعًا بخطأ الخطأ..
كان كلما أخطأ كلما أُهين .. وكلما أصبح أفضل ذكرتموه بماضيه الأسود، ربيتموه على أن الخطأ من الإنسان والعفو من الرحمن، الرحمن هو من يعفو، أما عباده لا يُجيدون سوى اللوم والعتاب والتأنيب، وستظل المذنب .. المذنب لأنك تخطئ؛ أخطأت يوم أن تعثرت في أول محاولة للوقوف، كان لابد أن تولد محاربًا، لماذا استغرقت كل تلك الفترة كي نراك شخصًا يقف على قدمين لا يزحف على أربع..!
ذلك الطفل الذي عشتم تملؤونه كرهًا لنفسه ولومًا لها.. كَبِر.. حتى إذا تخلص من قبضتكم ووجد الفرصة للحرية عاند، وتحول ذلك الشخص المكبوت المكسور إلى وحش كاسر يذهب للخطأ لا ينتظره حتى يأتي إليه.. وقد يخرج من دائرة إيذاء نفسه فقط إلى الانتقام من العالم، "فهو شخص فاقد لكرامته، ويريد أن يجعل المجتمع من حوله خائفًا مذعورًا وبلا كرامة أيضًا" .. فيدرك بعد سنوات من الصولات والجولات في حظيرة الإثم أنكم كننتم على حق، لكن بعد أن تكون روحه قد انطفأت ..
قاعدة عامة، معصية الله لا تُفقد لذة الإحساس بالشئ المُعصى من أجله فقط، بل تُفقِد الإحساس بالدنيا، بالنفس، تضفي على نظرتنا للدنيا شئ من الضبابية، لا نتغير إلى شخص أخر فقط، بل إلى شخص باهت حزين لا تُجدي معه أدوية اكتئاب ولا سفر ولا عمل ولا علم ولا بشر.. يتحول إلى حالة من اللاوعي، اللارغبة والرفض للاستمرار وفقدان اللذة في الحياة..
قد لا يكون إنسانًا سيئًا.. لكنه بالتدريج يفقد انتسابه للإنسانية والهدف من وجودها؛ إعمار الأرض، حيث يصل إلى تلك المرحلة من عدم القدرة على المحافظة على النفس من الإنهيار - على الأقل - بدل البناء..
كل هذا فقط لأنه لم يُحتَرَم، لم يحاوره أحدٌ ذلك الحوار الذي مغزاه : " أنا أفهمك.. وأشعر بك، وأحترم كونك مفطورًا على الخطأ ، لكنك أيضًا مفطورٌ على النقاء والإنتقاء .. إنتقاء لما تستحق أن يكون فيك، فأنت دائمًا تستحق الأفضل"..
((بواسطة التنشئة يُمْكِنُ تشكيل المواطنين أذلِّاء يطيعون القانون ليس بوازع من الاحترام بل بدافع من الخوف أو العادة ، وقد يكون ضميرهم ميتًا ومشاعرهم ذابلة ولكنهم لا يخرقون القانون لمجرد أنهم تَدَرَّبوا على ذلك . ونرى في الأدب شخصيات يزعمون أنها لمواطنين طاهري الذيل وهم في الحقيقة مُفَرَّغون من الأخلاق . وشخصيات لأناس خاطئين هم في أعماقهم أخيار ونبلاء . ومِن ثَمَّ يوجد نوعان من العدالة : عدالة الإنسان والعدالة الإلهية تنظر الأولى إلى الأعمال وتنظر الثانية إلى جوهر الوجود الإنساني . المساحة الجوانية للإنسان شاسعة تكاد تكون لا نهائية . فهو قادر على أبشع أنواع الجرائم وعلى أنبل التضحيات . وليست عظمة الإنسان أساسه في أعماله الخيرة وإنما في قُدْرَتِه على الاختيار . وكل من يُقَلِّلُ أو يحدُّ من هذه القدرة يحطُّ بقدر الإنسان ، فالخير لا يوجد خارج إرادة الإنسان ولا يُمْكِنُ فرضَه بالقوة { لا إكراه في الدين } .. والقانون نفسه ينطبق أيضًا على الأخلاق . إن التدريب حتى ولو كان يفرض السلوك الصحيح هو في أساسه لا أخلاقي ولا إنساني )) - علي عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب.
لم ننقل خبراتنا للأبناء، فضّلّنا الغموض.. "فلتعلم أنني أكثر منك خبرة.. ستفهم ذلك يومًا ما".. ويأتي دومًا الفهم متأخرًا..!
ليس هذا ما أمرنا به الله عز وجل من بِر! فالبِر أن أحترمك، والإحترام أن أناقش عقلك، أناقشه لأقتنع به أو أقنعه لا لأقلل منه أو يقلل مني .. فضلنا أن نعيش تلك الحالة من التفرقة العمرية التي شوهت معنى البر والإحترام ، "أنا أكبر منك سنًا، إذًا أنت المخطئ".. لا يعلمون أن العمر يقاس طولًا لا عرضًا..كموجة كهرومغناطيسية؛ قد يكون زمننا الدوري واحد، لكن تختلف ذبذباتي الحادثة في الثانية الواحدة عنك.. قد تمضي الخمسين سنة من عمرك وارتفاع قمتك صفر.. وأنا بعمري الصغير وحرصي على التعلم والابتكار وبعنفوان الشباب - الذي لن يبهت فقط إن رويته باحترامك لي - تبلغ قمتي عنان السماء، أرى اليوم لا أربعٌ وعشرون ساعة.. بل 86400 فرصة أستطيع استغلالها ..
هناك من إن نشؤوا على القيم والمبادئ وتفسيرها والاقتناع بها اقتناعًا تامًا لكانوا النموذج الصالح والركيزة التي تقوم عليها أمم قوية لا رخوة سهلة الانهيار.. تنقل الفائدة لأجيالٍ قادمة ولعالم تسود فيه الإنسانية لا تَصَنُّع المثالية، لا نطبق الشئ لأنه يجب علينا تطبيقه، وعندما تأتي الفرصة في الخفاء، نطلق للروح العنان للقيام بكل ما حُرِمَت منه، في حين أن بالاقتناع يتحول ذلك الحرمان إلى هدف سامي ورسالة أبدية..
وعلى النقيض تمامًا.. نرى من حرص أبواه عليه منذ صغره فحبسوه، وعندما جاء يوم الإنطلاق.. كان دائمًا عرضةً للإخفاق، لم يجرب يومًا أن تفشل له محاولةٌ كي يدرك قيمة النجاح.. لم يكن عضوًا فعالًا في المجتمع، كان يتعلم الزحف في الوقت الذي استطاع فيه أقرانه الطيران..
معالجة الإنحراف لا يجب أن تكون بانحراف، إنسَ دومًا ما تربيت عليه من عُقد، قد تكون تربيتك قاسية فقررت تكرار الأمر لأن برغم كل ما تعرضت له من انكسارات نفسية وشخصية مشوهة لكنك في النهاية أصبحت رجلًا ذو مكانة اجتماعية جيدة وذو عمل جيد.. أو أنك لم تحتمل قسوة الأيام فقررت العكس وأغرقت أولادك في التسيب.. !
(( إن الإنسان بطبيعته ميال إلى رفض الإذلال، ولذلك فإن المُهان الذي لا يستطيع رد الإهانة يجب أن يصرفها مثل فيتامين سي الزائد في الجسم، وهو حين لا يستطيع ردها من مصدرها لابد له من أن يصرفها باتجاه آخر كأن يبكي مثلًا؛ إلا أن الشائع هو التصريف نحو من يستطيع أن يتجبر عليهم ..
تتقبل الأم ما سوف تمارسه هي على الأولاد، ويتقبل الأولاد ما سوف يمارسه الكبير منهم على الصغير، أو ما قد تعلمه جيدًا وخزنه في ذاكرته ليمارسه على أولاده في المستقبل، كما يتقبلون ما يمارس عليهم في المدرسة لأنه هو ذاته ما سوف يمارسونه ويطبقونه في الحياة العملية التي سيخرجون إليها سواء في سلك التعليم أو في أي سلك وظيفي، وتخفي الأسرة في طياتها تلك الرغبة الاضطهادية الانتقامية التي سوف تمارسها على الجيران الضعفاء)) – ممدوح علوان في كتابه حيونة الإنسان.
قبل أن تنجب، تأكد أنك شخصٌ سويٌ لتكون أبًا، اصنع لنفسك قيمًا تتناسب مع الدين ثم المجتمع.. اقتنع بها وطبقها واجعلها أولوياتك كي تنتقل تلقائيًا لأبنائك؛ فأصغر التفاصيل هي أسرع ما يُنقَل للطفل، اقتنع بأن الألم شئ محتوم، لكن التعاسة شئ اختياري، واجعل قصصًا ملهمةً تولد من رحم الفشل.. احكِ لهم قصصًا حقيقية عن الواقع، لا تنتظر حتى يكبروا، صدقني ستكون قد علمته بعد أن علمه الآخرون ممن عاشرهم فيكسبون وتخسر.. سيربوا فيه شيئًا لن تستطيع تغييره عندما يأتي الوقت الذي تنتظره كي تعتبره كبيرًا يستحق أن تتحدث معه رجلًا لرجل.. أو أبًا لآنسةٍ جميلة.. لا تتعامل مع مشاكلهم بشكل شخصي، اعتصر قلبك وإن انكسر.. من أجل تربيةٍ أسمى..
عامله كطفلٍ وكن له سندًا وموجهًا حتى وإن أخطأ في سن الأربعين، وعامله كبالغ وحاوره منذ أن يتعلم كيف يقول : أبي وأمي.. فلتدرك قيمة رسالتك.. فعلى يديك قد تقوم أمم وتقعد أخرى!..
رابط المادة: http://iswy.co/e28gqt