عندما قام محمد روراوة رئيس الإتحاد الجزائري لكرة القدم بتعيين المدرب الفرانكو بوسني وحيد خليلوزيتش على رأس العارضة الفنية للمنتخب الجزائري في شهر يوليو من سنة 2011 ، كنت أول المؤيدين لهذا القرار و من المستبشرين خيرا بإرتقاء مستوى منتخبنا الوطني و هذا لأني كنت من المتابعين لمسيرة هذا المدرب منذ كان في فريق ليل الفرنسي ، و بحكم خبرتي المتواضعة في المجال الرياضي عامة و كرة القدم بصفة خاصة فقد علمت عن الرجل أنه ذو مبادئ و أخلاق تتجلى في حبه لعمله و إخلاصه و تفانيه فيه إضافة الى مستواه التدريبي الجيد و الذي يلائم تماما طريقة اللعب الجزائرية .
معلوم عن السيد حليلوزيتش أنه من أصول بوسنية ، عانى من الحرب الصربية على شعبه البوسني المسلم ، فقد إثرها بيته و ماله و أهله و كاد أن يفقد حياته أيضا قبل أن يلوذ بالفرار لفرنسا مع من بقي من أهله على قيد الحياة ، حليلوزيتش استمد قوة شخصيته من المنطقة التي ينحدر منها ، أوروبا الشرقية المعروفة بأنظمتها العسكرية الصارمة التي تتسم بالنظام المنظم و بقوة شخصية أهلها ، لذلك فقرار إختياره لقيادة المنتخب الجزائري لم يكن اعتباطيا ، فالمنتخب الجزائري بعد نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب افريقيا عرف هزات و كبوات عديدة تمثلت في نتائج هزيلة و هزائم مفاجئة و كثيرة أبرزها هزيمة مراكش برباعية نظيفة أمام المنتخب المغربي ، بسبب تفشي حالة التسيب و اللا إنضباط عند أغلب عناصر المنتخب التى إعتبرت نفسها نجوما فوق العادة مستغلة في ذلك ضعف شخصية الناخب الوطني أنذاك ، لذا كان اختيار وحيد لقيادة سفينة المنتخب في تلك الفترة إختيارا موفقا الى أبعد حد ، بل هو من وجهة نظري المتواضعة الإختيار الأفضل على الإطلاق .
انطلق الرجل في رحلة بناء منتخب جديد بآفاق جديدة و أهداف جديدة مع لاعبين جدد فقد قام وحيد بتغيير تركيبة المنتخب بنسبة تكاد تفوق 80 بالمائة ، وقد نجح الرجل الى حد كبير في مهمته و ارتقى أداء المنتخب الى مستوى تطلعات الجماهير و توالت النتائج الإيجابية ليأتي بعدها الإنجاز الباهر المحقق في نهائيات كأس العالم بالبرازيل سنة 2014 .
طريق وحيد حليلوزيتش مع المنتخب لم يكن مفروشا بالورود بل على العكس تماما فالرجل كان في صراع على كل الجبهات ، مع الصحافة ، اللاعبين القدامى ، الفنيين ، المحللين الرياضيين ، بل وحتى مع الإتحادية نفسها في أحيان كثيرة ، و لكنه لقي مساندة أهم عنصر في المنظومة الكروية ، الا و هو الجمهور الجزائري الذي اقتنع تماما بالعمل الذي يقوم به مع المنتخب ، لقد أحس الجميع أن وحيد حليلوزيتش كان جزائريا حتى النخاع ، بل أكثر حتى من بعض الجزائريين أنفسهم في أحيان كثيرة ، لقد نجح الرجل في مهمته على أكمل وجه و النتائج المحققة معه شاهدة على ذلك ، و لأن القرارات في المجال الرياضي في الجزائر تخضع لرغبات و أهواء المسؤولين كغيرها من المجالات الأخرى ، غلّبت ( بفتح الغين و كسر اللام ) المصلحة الشخصية على العامة ، فقوة شخصية وحيد و عدم تقبله للتدخل في صلاحياته لم يكن ليمر مرور الكرام على مسؤولي الكرة عندنا الذين تعودوا على التدخل في كل صغيرة و كبيرة تخص المنتخب ، اتسعت الهوة بين المدرب و مسؤوله المباشر و كان من الصعب استمرار وحيد في تدريب المنتخب في ظل كل تلك الظروف ، فاختار الإنسحاب على أن يهز رأسه كالخروف (( قال في احدى المقابلات التلفزيونية مع احدى القنوات الفرنسية " لست خروفا لأهز رأسي بالموافقة على كل ما يريده رئيس الإتحاد الجزائري" )) ، و لم يشفع له انجازه مع المنتخب الوطني عند مسؤولي الكرة عندنا ، بل تم استبداله بالمدرب الفرنسي المحدود المستوى كريستيان غوركيف الذي لم يسبق له أن درب منتخبا وطنيا كما لم يسبق له أن درب في افريقيا إضافة الى أن رصيده من الإنجازات و الألقاب هو صفر ، و ما اصعب أن نرضى بالقليل بعد أن كنا نملك الكثير ، غوركيف الذي وجد منتخبا موندياليا قويا وقف أما بطل العالم الند للند ، بعد مرور سنة من توليه قيادة العارضة الفنية للمنتخب ، اصبح نفس المنتخب يجد صعوبة في الفوز على منتخب اللوزوتو الغير مصنف على الخارطة الكروية العالمية !!! سبحان مغير الأحوال .
ذهب وحيد من الجزائر و لكن حبه و احترامه المتبادل مع الجمهور الجزائري لم و لن يمحى من قلوبنا و من يدري فقد يعود يوما لقيادة منتخبنا و تعود معه احلى ايام الكرة الجزائرية ، أيام : وان ... تو .... تري .... فيفا لالجيري .