يتوهم البعض أن هبوط أسعار النفط في الفترة الأخيرة إلى ماتحت سقف الخمسين دولار أمريكي ظرفي و سرعان ما سيعاود سعر البرميل ارتفاعه إلى مستوياته السابقة.
الأرجح عندي أن التصحيح الذي وقع في أسعار النفط الخام جوهري و باق في المدى القريب و المتوسط مما سيجعل عودته إلى ماكان عليه حين وصل عند ذروته حدود 120 دولار أمريكي صعب للغاية و هذا راجع لعوامل عدة ومن أهمها إكتفاء الولايات المتحدة الأمريكية ذاتياً من احتياجاتها الطاقوية، تباطؤ الإقتصاد الصيني و أخيراً تخلي المملكة السعودية عن دورها الريادي في التأثير على سوق الخام.
كان معظم الطلب على النفط الخام في الأسواق العالمية سابقا يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، الصين و بدرجة أقل من دول الإتحاد الأوروبي.
ساعد ارتفاع أسعار الخام في العشرية السابقة في تحفيز الشركات الأمريكية على استغلال النفط الصخري و الإستثمار في تكنولوجيات حديثة لخفض سعر استخراجه مما أدى إلى بلوغ مستوى الإنتاج المحلي سقفاً تاريخياً وصل حدود 9 مليون برميل يومياً و نتج عنه فائض في المخزون الداخلي. أدى هذا إلى تراجع في احتياج الولايات المتحدة لتغطية طلباتها من السوق الدولي مؤثراً بذلك على الطلب.
من ناحية أخرى فقد أبهرت الصين العالم خلال العشرين سنة الأخيرة بسرعة نموها الإقتصادي الذي كان يفوق 9 بالمئة في بعض السنوات مما نتج عنه طلب كميات كبيرة جداً من النفط الخام لضمان سيرورة المجال الصناعي و الذي كان يُقتنى في الأسواق العالمية. و بما أنه كان مستحيلاً أن يبقى نمط النمو الصيني متواصلاً بنفس الوتيرة العالية فإنه قد بدأ في التباطؤ مؤخراً مؤدياً إلى تراجع احتياجاته من موارد الطاقة بنفس الكميات مؤثراً كذلك على الطلب العالمي.
السبب الأخير و الذي أثر بدوره على جهة العرض في معادلة الأسعار هو تخلي المملكة السعودية عن دورها الريادي في منظمة الدول المصدرة للبترول و المعروفة بأوبك و التي كانت من خلاله المملكة تقوم بالتحكم في الكميات المعروضة للبيع من طرف أعضاء المنظمة لكبح أي نزول أسعار غير مرغوب فيه. هذه المرة قررت السعودية بأن تتصرف بأنانية اقتصادية و ترفع إنتاجها لتعوض بعض خسارتها الناتجه عن تدهور الأسعار معتمدة على احتياطها من العملة الصعبة غير مبالية بمعاناة الدول الأخرى المنتجة.
فلهذه الأسباب الجوهرية و أخرى ظرفية نرى أن هبوط أسعار الطاقة يجب أن يُقبل كواقع أمر جديد و على الدول المنتجة أن تعيد النظر في سياساتها في هذا المجال.