كتبتُ بالأمسِ منشورًا ما كنتُ أحسبُ أنه يُثير حفيظةَ الكثير ممَّن كنتُ أعتقدُ أنهم على رُتبة عالية من الأخلاق، لكنَّ معادن الناس تُكشف عند الاختلاف، وعندما توضع صفيحة الذهب على النار يُعلم خُلوصها من غشِّها!
منهم من شكَّك في مستوايَ العقلي ولا عجب، لا سيَّما وأنّ هناك صنفٌ من البشر يتعمَّدون توصيفكَ بما يُخالفُ حقيقتكَ تمامًا.
كما قيلَ عن رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم "مجنونٌ"، وهو أعقل آدميٍّ ركَّبَ اللّه صورتهُ!
وكما قيلَ عن عائِشَتُنَا في حادثة الإفكِ "زانية"، وهي الحَصَان الرَّزان، الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيق، أطهر من الصبح «إِذَا تَنَفَّسَ»!
لكنِّي أقول لكل من تُسَوِّل له نفسه المَساس بعرض أحدٍ ذكرًا كان أم أنثى:
ـ ستلقى نظير مَساسكَ من يمَسُّ عرضكَ، والضرر عند العقابِ أشد منهُ عند بَدْئه.
المنشور باختصار شديد ومفيد، وضعه صاحبهُ كفكرة للنقاش، وليس كلُّ ما يُنشر يُعبِّر عن رأي الناشر، الكثير من المنشورات ننشرها ليُعرب الآخرون عن آرائهم!
بل ولا ضير حينما يُمثِّلني كل ما أكتبه، إذْ لا أحد يملك الحقَّ على أحدٍ في أن يُملي عليه ما يكتبه ممَّا يكبُته، وما يُصرِّح به ممَّا يلمِّح عنهُ، ولو أن يكون الحق بمثقال: «حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ»!
كما أنّ "شَعرة معاوية" التي بينكَ وبين الناس ينبغي ألاَّ تُقطع، فإنْ أبيتَ إلاّ قطعها فأنت لا ريبَ صاحبُ عيبٍ، ومثلكَ يُستغنى عنه ولا يُستغنى بهِ.
ويُنزع من قائمة الأصدقاء نَزْعَ الشَّعرة من العجين، وما أكثر الشَّعر في عجينِ طحينِ آخر زمنٍ!
(فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟
قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل").
وغُثاء السيل في الفيسبوك يربو عن غثاء السيل في الواقع، فالأخلاق في النهاية أرزاق، وعلى قدر أخلاقكَ تكون ردودكَ، وشتَّان شتَّان بين دخان عود البخور وعودٍ عاديٍّ كسائر الأعواد..
من أكثر الدروس التي أمدَّتني بها السنة الماضية، ألاَّ أحشرَ أنفي في أخلاق الناس، ولا أُطيلُ لساني في أعراضهم..
فالسارقُ سارقٌ على نفسه، والزانية زانية على نفسها، ولَأَنْ يَسلم لساني منهما خيرٌ لديني ودُنيايَ.
ورحم الله عمر بن عبد العزيز حينما سُئل عن علي وعثمان، وصفين، وما كان بينهم؟
فقال:
ـ "تلك دماء كَفَّ الله يدي عنها، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها"!
لله درُّه وعلى الله برُّه، نطقَ فصدقَ، إذْ ـ وربُّ الكعبة والمدينة ـ لا خير في فتنةٍ يُنزِّهُ اللّه يدكَ عنها، فتُلطِّخُ لسانكَ بها!
وعَوْدًا على بَدْءٍ..
جاءَ في المنشور:
ـ " إذا سمعتَ أنّ امرأةً أحبَّت رجلاً فقيرًا، فاعلمْ أنها مجنونة، أو فاذهبْ إلى طبيب الأذنين"!
المقولة بعيدًا عن ظاهرها المُضحك، وجوهرها المُبْكِ، توصيفٌ لواقعٍ مُعاشٍ لا يُنكره إلاَّ جاحدٌ ليس إلى إقناعه سبيل، فضلاً عن وجود ثُقبةِ أمل..
نُشرت المقولة ليَعلم صاحبها مدى صدقها من كذبها؟
وما هي الأسباب التي تجرُّ النساء جَرًّا إلى المال؟! حتى إنكَ ترى فيهن من تترك الرجل الصالح بسبب فقره، إلى الفاسد لأجل غناه!
وليس في المقولة أي "عموم"، لأنّ صاحب المنشور يؤمن أنّ لكل عموم تخصيص يخرجُ عنه.
لا سيَّما وأنّ هناك نساءٌ رفضن رجالاً أغنياء لفساد أخلاقهم، وقبلن برجال فقراء لصلاح أخلاقهم.
بل إنّ فيهن من رفضت رجلاً غنيًّا رغم صلاحه، إلى فقير رغم فساده.
لكن أن تأتي (مُفَسْبِكَةٌ) إلى حسابي، وتسبُّني طُولاً وعرضًا، كون المنشور قد جرح كرامتها، فهذا ما لا أرضاهُ لي ولا لغيري..
(ولكم فيسبوككم، ولي فيسبوكي)!
أما المبدأ العسكري: (تبكِ أمكَ، ولا تبكِ أمِّي)، فو الذي نفسي بيده لأَمْسَحَنَّ الأرضَ بوجهها طولاً وعرضًا.
وبعد أن أسكتها ردًّا تلك الشابة الشمْطاء، عليها من الله ما تستحق..
خرجت لي أخرى قالت عن المنشور بعبارة مُقتضبة:
ـ " تفاهة"!
والحمد لله أنها تَفَّهَت المنشور لا الناشر، ولو أنّ تَتْفِيه هذا من تَتْفيهِ ذاكَ..
لكني لنْ أبخلها في الردِّ، وليتها تقرأ ما كتبتُ عنها في عجالة عساها تتربَّى قليلاً.
رغم أنّني أؤمن أن الفتاة التي يفشل من ولداها في تربيتها، لا ينجحُ سواهما في ذلكَ.
لو فقط كانت لديكِ "بذرة حياء"، لما تجرَّأتِ على وصف المنشور بهكذا وصف، ولكن لأنّ "كل إناء بما فيه ينضح"، فلا أملكُ أنْ أُنطقَ لسانكِ بالعسل وقلبكِ مليءٌ بالقَطَران..
لا أملكُ أن أجعل من لسانكِ مَرْيَمِيًّا، وقلبكِ أوسخُ من قلبِ (بقرات إبليس) اللاَّتي تحرّشن بيوسف، ولمَّا أعرض عنهن سجننهُ!
ولا أملكُ أن أعيد تربيتكِ، لأنني مؤمنٌ أن الذي فشلَ والدها في تربيتها، لا أحد يقوى على تربيتها وإن كان المُربِّي زوجها، كيف والخالُ مُفسبكٌ مثلي بيني وبينها جبال ووديان وصحراء؟!
وما أكثر ما يكون الناسُ شُجعانًا عند تباعد المسافات..
وأزيدكِ من القصيدِ بيتًا:
إن كتبَ الله ووصلكِ منشوريَ هذا، فلا تأخذكِ العزة على نفسكِ، ويحمى أنفكِ عليَّ، " فالبادي أظلم".
وإن زدتِ زدتُ..
والسلامُ عليَّ يوم نشرتُ، ويوم علَّقتُ، ويومَ أُحظرُ حيًّا..